خواطر عن شرق المتوسط والعالم العربي


بقلم فادي أبو ديب

تمثال أغسطس قيصر

(1)

ما الذي خسرناه في معظم أنحاء العالم العربي وشرق المتوسط منذ خمسين عاماً حتى الآن:

الكثير من الأشياء، أهمها التعليم وأرستقراطية الروح/النُبل.

(2)

ماذا كسبنا في شرق المتوسط منذ خمسين عاماً حتى الآن؟


دين جديد (بلفظ عادل إمام!) يتمركز حول مرض الأنا-وحدية وملاشاة ظاهرة “الشخص البشري”.

(3)

النهضويون العرب في القرن العشرين ربطوا التحرر بإنماء شخصية الإنسان العربي، علماً وفكراً وإمكانيات مادية، وشخصية الجماعة العربية، تحرراً من التفكير البالي وقيود التوكل واللاعقلنة.
خطتهم لم تفشل، بالمناسبة. ولم يكن نضالهم النظري والعملي مقدَّراً له الفشل، ولم يكن بعيداً عن طبيعة الثقافة والمجتمع في معظم نواحيه.
هؤلاء النهضويون هم من بنى الجامعات والمدارس والصحف، ومن دونهم كانت الحياة اليوم كما هي في عام ١٠٠٠م.
ما أدى إلى الفشل المقيم هو ضيق أفق الأنظمة العسكرتارية وغير العسكرتارية الرجعية العربية وخياناتها المتكررة والمستمرة لشخصية الإنسان وشخصية الجماعة وإبقاؤها الإنسان والجماعة في طور الطفولة والمراهقة، بتطبيق وصاية “الأم المفترسة”، المعروفة نفسانياً، على العربيّ، وليس وصاية المعلم المكافح، وتدمير أية مبادرة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية واسعة النطاق وفاعلة، فردية أم جماعية.
في هذه الحالة يمكن الهيمنة على مجتمعات كهذه بإذاعة واحدة في قبرص وليس بكتيبة مدرعات.
كيف سيتحرر مجتمع بلا تعليم ولا صحافة ولا أحزاب ولا كلام، ومليء بالرعب والشك والشبهات؟


هل تحرَّر من أشباح منزله ليتحرر من الأشباح المتربصة به في الحديقة والشارع؟
ها هو يقف على النافذة ليحارب فتأتيه الطعنة من الخلف.
الخائفون لا يدخلون ملكوت السماوات كما يُقال. وهم بالتأكيد لا يحررون أوطاناً، إلا ليقعوا في براثن شيطان محتل آخر. فالنفس التي يخرج منها شيطان وتبقى فارغة، يعود إليها الشيطان ومعه سبع أرواح أخرى أكثر شراً منه ليستقر فيها.

(4)

الانتقال من العشائرية إلى العسكرتارية حمل معه الكثير من التغيرات، أهمها الانتقال من القيم التقليدية إلى ديانة الزعيم. عبادة الشخصية cult of personality هي نمط من الصعب تواجده في الأنظمة الملكية والعشائرية التقليدية، لأن الزعيم في الحالة الأولى هو الشيخ الجد، الصارم الذي لا شريك له في عمادة العائلة الكبرى، ولكن العطوف في نفس الوقت بحسب التصور الشعبي، لأنه “جدو”.
في نظام عبادة الشخصية، يكون الزعيم أباً-إلهاً. إنه أب يَهَويّ الصورة، ولكنه بلا عشيرة. قد يكون، بيولوجياً، منحدراً من عشيرة يستعين برجالاتها، ولكنه في النهاية واحد أحد، فرد صمد. وطقوس عبادة شخصيته تتطلب بالتعريف والمنطق الطبيعي امتصاص محتوى الشخصيات الأخرى. يجب أن تختفي الشخصيات الأخرى، وليس أن تطيع فقط. الطاعة جزء من الممارسة فقط. في النظام العشائري الطاعة ضرورية ولكنها تحتمل وجود سادة محترمين يقدرهم الناس.
لهذا يصعب في هذا النظام وجود شخصيات عامة من أي نوع كانت، وبالتأكيد من الصعب تخيل وجود ما يشبه مجلساً لأعيان الأمة. في نظام كهذا لا يجوز وجود مرجعيات حقيقية من أي نوع كان، لأن وجودها نوع من الشِّرك في نظام أبويّ-إلهي كهذا. فكرة المنافسة على أي مستوى غير مقبولة وغير واردة؛ فالأب-الإله ليس مجرد قائد بل هو المرجعيةةالأخيرة في كل شيء، منه يفيض كل شيء وإليه يعود أو يُنسب.
كل خير يأتي منه، وكل شر لا يمكن أن يُعزى له.
ولفهم أنظمة هذه يتراجع هوبز ولوك وأمثالهما ويتقدم فرويد ويونغ ونظرائهما.
عدا ذلك لا يمكن البتة فهم ظواهر كهذه.
السياسة ليست هي الحقل المعرفي الملائم هنا.

(5)

نحن لا نطالب باتباع دول شرق المتوسط لقيم التنوير الأوروبية. نحن نطالب بأضعف الإيمان، وهو العودة إلى “أخلاق العشائر” وهي قيم لا تمت للسادية المفرطة والتعذيب الذي لا يعرف حدوداً وتجويع البشر بأية صلة. هي تعرف المحاصصة، صحيح، وأنماطاً من المحسوبية، ولكنها لا تعرف عبادة الشخص الصمد.
السادية والتجويع والتعذيب والتغييب وقتل رمزية وفاعلية المرجعيات الاعتبارية هي سمات الفترات الوحشية في الحداثة الأوروبية (الحربان العالميتان وحروب المخابرات بالحرب الباردة) ولا علاقة لها بنمط معيشتنا العشائري.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.