سوريا: السّلطة التي رحلت من دون أن ترحل


بقلم فادي أبو ديب

يراهن المتمسّكون بشكل السلطة الحالية في سوريا على مسألة “الأمر الواقع”. (المتمسّكون يشكّلون فئة تتجاوز مجرد الولاء، وبطبيعة الحال تتجاوز مجرد التأييد، وهي فئة صغيرة ولكنها مؤثرة جداً). (*)
وتقوم هذه الحجة على أنّ السلطة الحالية في سوريا (وليس الدولة بالمعنى المؤسساتي والدستوري بالضرورة) يمكن أن تضع بعض الدول الإقليمية والعالمية “تحت الأمر الواقع” وتكسب منها النقاط عبر بعض التفاهمات أو بعض اللعب بأوراق الضغط.
والحقيقة، ولكي لا نقوم بدور الأنبياء والعارفين بالغيب، هذا ربما يحدث، وربما لا يحدث، وربما يحدث جزئياً وإلى درجة معينة.
ولكن في كل الأحوال، هذا لا يعني أنّ هذه الإمكانية تعني أنّ السلطة الحالية حكيمة وقادرة على بناء دولة وتأمين ازدهارها. هذه السياسة يمكن تشبيهها بسياسات أخرى لن أسمّيها لأنّ ليس هدفي جرح المشاعر والإهانة، ولكننا رأيناها جميعاً في مسلسلات وأفلام عديدة، ونعرف من يقوم بها وماذا نشعر تجاهه في المسلسل أو الفيلم.
فمن حيث النتيجة العملية، وليس من حيث الشكل بالضرورة، السلطة الحالية إما شبه ميتة حتى مع عدم رحيلها بالمعنى الفيزيائي للرحيل، أو حيّة ولكن ضمن شروط معينة، وهذه الشروط تعني أنها يجب أن تحيا ضمن شروط مخبرية مدروسة بعناية داخلياً وخارجياً، وتتضمن هذه الشروط استخدام السكان الواقعين تحت سلطتها بحِرَفية تبتعد تماماً عن السلوك السياسي. وأعتقد أنّ الأمرين سيّان على كل حال.
وفي كلتا الحالتين، هذا لا يفيد ولا يمكن أن يقود ملايين السكان القاطنين إلى بر الأمان بوصفهم مجتمعاً حياً له أجهزة سياسية واقتصادية واجتماعية فاعلة وحقيقية تكفل لجميع السكان بيئة سليمة وصحية وتوفر الأساسيات وإمكانية التقدم. والخطاب الانتخابي كان صريحاً بهذا الخصوص وليس سياسياً البتة وليس عسكرياً أيضاً، بل خطاب فِئَوي، فالبلاد كما هو معلن صراحةً وجهاراً ليست للجميع ولن تكون. ولا يوجد أيّة نيّة لفتح صفحة جديدة على قاعدة المبادرة الحقيقية (هناك نية للاستمرار بلعب الأوراق وسياسات “الأمر الواقع” وما يمكن أن تحصله لمجرّد تحصيله فقط وتسجيل النقاط)، لأن هذا غير ممكن، لأنّ السلطة “رحلت” من دون أن ترحل، بمعنى ما. وهو ما يمكن أن نستعمل لتوصيفه العبارة الإنكليزية الخبيثة same but not quite.
طبعاً، يمكن نسب القوة إلى جهة معينة بالإشارة إلى قوة محور تنتمي إليه، ولكن القوة العسكرية، أو بالأحرى، القدرة على الإزعاج العسكري، ربما تكون كافية لجماعة كفاحية، ولكن بالتأكيد ليس لدولة تريد أن تبني وتزدهر وتعيل سكانها وان لا تبقى عرضة لأحداث تهجّر سكانها تدريجياً.
قوة الدولة هي حرفياً مقدار الأفق الذي تفتحه لسكانها.
فالبقاء ليس انتصاراً في حد ذاتها إلا إذا كان قادراً على تحقيق الازدهار وفتح الأفق، وإلا كيف يمكن التمييز بين البقاء وبين البنيان المتهافت الذي صودف وأن بقي في مكانه ولم يجد من يرغب في ترحيل أنقاضه؟
وهنا لم ولن أتطرّق إلى سيناريوهات أخرى تتعلق بالحلفاء، أو بعضهم، وأسئلة من قبيل “ماذا لو؟”، لأن الأمر حينها سيخرج من نطاق توصيف واقع الحال إلى التنبؤ. وأنا لا أريد أن أتنبأ الآن!

(*) المتمسّك هو الذي يريد بالفعل هذا الشكل من السلطة ولا يستغني عنها، وهو بالضرورة موالٍ لها طالما استمرت على هذا الشكل.
أما الموالي فقد يدين بالولاء للسلطة ولكنه ليس بالضرورة متمسّك بشكلها الحالي.
المؤيد قد يؤيد لأسباب براغماتية محضة أو طلباً للأمان وليس بالضرورة أن يدين بالولاء لأشخاص السلطة، ناهيك عن التمسّك بشكلها.

15 comments

  1. “هذه السياسة يمكن تشبيهها بسياسات أخرى لن أسمّيها لأنّ ليس هدفي جرح المشاعر والإهانة”
    طبيعي، فالثانية صنيعة الأولى، وهي بكل الأحوال تمثل نفسها وأي حديث عنها لا يجب أن يزعج إلا من يؤيدها ويوافقها في منهجها.

    يعني سبحان الله، النملة بيعرفوا وينها وبيعرفوا من وين راحت ولوين راحت، بس حركة كاملة بكل عتادها عم تتنقل بين البلدان وما حدا قدر يطولهون!

    لا تخرج قبل أن تقول سبحان الله 🙂

    • 🤔🤔

      مين خطر على بالك؟ قصدك داعش؟
      أنا ما قصدي عليها، أنا قصدي “سياسات المافيا والعصابات”.
      النص كان منشور في فيسبوك، وما كانت حابب الناس تترك النص وتلحق هالعبارة فما حطيتها.

      • يعني عبارتك انك مو قاصد توجه الآهانة أو تجرح حدا أكييييد ما رح ينفهم منها إنك مو حابب تهين المجرمين والمؤيدين لعصابات المافيا وغيرها 😏

      • يعني فيه ملايين الناس بيأيدوا عصابة معينة. إذا بتسبيهم ما رح تستفيدي شي، وخصوصاً أنو كتير منهم ما بيعرفوا التفاصيل ووعيهم تم التلاعب فيهم.
        فيه عبارات ممكن تخلي الناس تنحرف عن هدف المقال ويركزوا على عبارة واحدة.
        أنا ما بدي أحرف انتباههم. بقدر وصل الفكرة بغير طريقة.

        بلد مليانة عصابات من مختلف الأشكال والتوجهات والناس أسرى مو طالع بإيدها 😌

  2. أيواااا. طيب ع كل حال من شكل بعضون كلون عصابات وكلون مدعومين من العصابة الكبيرة (سواء بالدعم المباشر أو بالتغاضي عنهون) 🙂

      • البلد من يوم يومها رايحة. شعب كان مستعبد بكل معنى الكلمة. ان شاء الله بس هالتمن اللي اندفع يخلي الناس توعى شوي وتعرف انو عندها عقل لازم تستخدمو.

      • أنا اللي مخوفني أنو على ما يبدو أنو العقل ما فاق، واللي فاق عقلو مرعوب من الخوف والبطش.
        بعض الناس فاق عقلها عأساس وبدأت بالسخرية والنقد بدون خطوط حمراء، وبالنهاية راحوا انتخبوا بالترهيب والترغيب والبعض طبعاً بالرغبة المحضة.
        تماماً متل اللي بيسب رجل الدين الصبح وبيبوس إيدو المسا.
        هاد نمط سلوكي بدائي ومعروف.

        سوريا عالقة بمعنى الكلمة بنوع متل الصنمية اللي ما بتنحل إلا بكارثة أكبر لسا.

  3. بصراحة ماعاد عم عول كتير ع الناس بسوريا (ولا بلوم أي شخص هنيك الا اللي بيطبل وبيزمر، أما المكره الله يكون بعونو ويقويه)
    أملي أكتر بالناس اللي طلعت واللي رح تتعلم بالمدارس هون انو ما تاخد شي ع الجاهز. أملي فيهون لأنو الإنسان ما بيتحرر وبيعمل فرق الا لما بيكون الو شخصيتو وبيتعلم يستخدم عقلو. ببلادنا هادا الشي مو موجود لا بالمؤسسة الدينية ولا التعليمية.

    بعرف انو مو كل الناس اللي طلعت رح تغير، بس واحد منيح تلقى تعليم صح ممكن يعمل فرق كبير بمحيطو.

    • صحيح. لعل وعسى يعني. البلد ممسوك بقبضة حديدية، والأسوأ هو أنه مفرغ من أي تجمعات مدنية حقيقية ومرجعية. وهاد الشي ما كان موجود حتى بالدول الشيوعية سابقاً ولا بالاتحاد السوڤييتي.
      قتل النخب بهي الطريقة شي على حد علمي مو مسبوق بالتاريخ المعاصر، إلا ربما بدول متل كوريا الشمالية، اللي هي الوحيدة اللي أسوأ من سوريا حالياً من هالناحية.

اترك رداً على comingeon إلغاء الرد

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.