بقلم فادي أبو ديب
منذ حوالي أسبوعين كنت في مكتبي أقرأ في الصباح بعض القصائد القصيرة والطويلة من كتاب الشاعر الصديق علاء الدين عبد المولى (المدفن السوري واحد، ٢٠١٧)، وأخذت هذه الصورة.
أخذتها لأنني وجدت فيها تصويراً مكثفاً ومؤلماً لتاريخ شرقنا المتوسطي المعاصر، على الأقل. هذا إذا كنا لا نريد أن نبدأ حفلة جديدة للتكاذب الوطني المحلي؛ فالقتل بعضه فقط بالسكين والبندقية وأكثره بالكلمة.
ولكنني لم ألتقط الصورة لأكتب عنها مقالة أو أكتب للديوان مراجعة، ولكن لأسأل من خلالها سؤالاً خطر في بالي في ذلك الصباح: هل سيجد تاريخ الألم المدوّن هنا (وفي غير هذا الموضع) طريقه إلى تاريخنا “الرسمي” المعترف به والملقَّن لتلاميذ المدارس مثلاً؟ أم سنستمر في تلقينهم قصائد المجد والبطولات والتاريخ التليد، كما فعلنا ذلك لعقود من تاريخنا الحديث؟
في هذا الديوان قرأت ليس جنازة لبلد فحسب، بل جنازات حارات وأزقة، وجنازات أطفال وأرواح هائمة، وموائد عشاء تسبح في الدم وتتناثر أطباقها بين جماجم مسحوقة وعظام مكسَّرة. وإذا تغاضيت عن الجمال الشعري لوهلة، رأيت القبح كما لم أره من قبل مجسّداً على ورق. إنه قبح الحقيقة التاريخية الراعنة والماضية القريبة مصبوباً في قالب الجمال اللغوي والبراعة التصويرية والمأساوية. ما أشجع الشاعر الذي يكتب عن القبح كما هو ولا يسعى إلى تجميله!
بعض الصفحات جعلتني أشعر كأن أصابعي تنغمس في الدم وتبحث بين الأشلاء عن أمر لا أعرف ما هو…ربما عن شيء يخفف هذا الرعب!
ولكنني أعود إلى سؤالي: متى سنتوقف عن الكذب؟ متى سنقرأ الحقيقة- حقيقتنا. متى سنعترف أن هذا جزء من تاريخنا؟ ومتى سنتوقف عن الزعم الببغائي أنه ليس لدينا أدباء يؤرّخون لحياة بلادهم بجميع تفاصيلها، بمدنها، بشوارعها، بدمائها، بحبها، بكراهيتها، بغدرها، بخبثها، ببراءتها، بطفولتها المغدورة، وببؤسها وهزيمتها كما بانتصاراتها الحقيقية أو المزعومة.
“المدفن السوري واحد” يصلح ليكون جزءاً من تاريخ سوريا المعاصر، مكتوباً شعراً ليفضح كثيراً من أكاذيب النثر “الوطني” المزوّر.