بقلم فادي أبو ديب
كنت في الحافلة، ليلاً، وبعد جهد جهيد استطعت إفهام سائقها أن يتوقف على رأس الطريق النازلة إلى حارتنا، “مقابل الدرج الصاعدة نحو شارع المقبرة”. بصعوبة أدرك مقصدي. راعني أنه غريب عن المدينة وأنني قد أضيع معه. كنت طوال الوقت أتخيل بيتنا القديم- الغرف رائحة الهواء الغربي والشبابيك التي تطلً على الأراضي الواسعة والمنحدرة بأشجارها الزرقاء التي تحمل ثمار الفجر الأغبش وكذلك كنت أتوق للزوايا وللأثاث الخشبي المسكون بأحلام اليقظة، والأبواب التي تفتح على أبواب أخرى، ثم على نقاط مضيئة وبقايا شمس لا تفسير لوجودها في تلك المنحنيات.
ولكن في لحظة نزولي من الحافلة بكامل حقائبي تذكرت بأن البيت مهجور وأهله تركوه وانتقلوا إلى أطراف المدينة. وكان طرف المدينة بعيداً كقارة مجهولة، أبعد من أن تصله الذاكرة والطرقات. كان سفينة تبتعد بسرعة الضوء وقدراً مكتوباً لغيري. عرس أغلق أبوابه رغم أنني العريس، والعروس صارت لآخر بفرمان لا يقبل الطعن. كأن جبلاً سقط على كتفيّ فناءتا به حتى كادتا تنهدمان. كنت أدور في السوق المغلقة، أجمع عن الأبواب الموصدة غبار الذكريات الحارة، فتتنزل عرقاً على وجهي وصدري، وأتنسم من الروائح الطيبة الصادرة عن الدكاكين القليلة المفتوحة في تلك الساعة غير المحسوبة على روزنامة مجرتنا رائحة الخوف والحب والمنفى.
حين استيقظت داهمتني فكرة أكثر إقلاقاً، وبدأت تتسرب ببطء وإصرار كنقطة حبر في كأس ماء، حتى صبغت كامل وعيي عند الظهيرة:
هل كنت أعلم أن المنزل مهجور منذ سنين هذا عددها ومع ذلك اخترت أن أنزل من الحافلة؟ هل تهت بمحض إرادتي؟
يحيرني ألا أجد عشرات الإعجابات والتعليقات على نص كهذا .. مؤثر جدا 🥺
شكراً جزيلاً…الناس تفضل التفاعل على الفيسبوك. ومن الصعب جذب الأغلبية إلى مدونة.