حرب الشَّرق الأوسط: احتمال أم حتمية؟


بقلم فادي أبو ديب

“آهِ! ضجيج شعوبٍ كثيرة تضجّ كضجيج البحر، وهدير قبائل تهدر كهدير مياهٍ غزيرة.”

أشعياء النبي

خريطة تبيِّن أسماء المناطق والشعوب الواردة في حروب حزقيال38 ومزمور83

في منطقة الشرق الأوسط التي شهدت عدة حروبٍ طاحنة منذ عام 1948 وحتى اليوم، ما تزال أسئلة كثيرة تدور في عقل كلّ مواطن تقريباً، وخصوصاً في هذه الأوقات التي تميد فيها الأرض بسبب الثورات الشعبية الهائلة في هذه المنطقة وما حولها، لتقضّ مضجع كلّ فردٍ في هذه البقعة التي تعاني أصلاً سياسياً واقتصادياً وثقافياً وعلى كافة المستويات البشرية والتنموية الأخرى.
    الأسئلة اليوم كثيرة جداً، وهي تتزاحم في عقل كلّ شخصٍ لدرجةٍ تهزّ كيانه ووجدانه. فهل ستقع الحرب؟ وإن وقعت فهل ستشمل المنطقة كلّها من مصر حتى إيران؟ هل الحرب أكيدة أم أنه في مقدور المفاوضات والمساومات تفاديها؟ وإن اشتعلت المنطقة، فهل ستشارك تركيا في الحرب؟ وإن فعلت، فإلى جانب مَن ستقف؟ ما هو دور الإسلاميين فيها؟ وما هو دور الغرب والأمريكان؟
    هذه الأسئلة ومئات غيرها والإجابة مفقودة أو مشوِّشة بالنسبة للأغلبية الساحقة. من جهةٍ أُخرى نسمع ونشاهد ملايين الحمقى ممن يُطرَبون ويرقصون لسيرة الحرب، وكأنّ الحرب، مهما كانت نتيجتها، ستغيِّر من حياتهم نحو الأفضل!
    وعلى أيّة حال، فإن القارئ السياسي الحكيم والمسلَّح بنظرةٍ تاريخية وروحيّةٍ ثاقبة يعلم تمام العِلم بأنّ الحرب في منطقة الشرق الأوسط هي حتميّةٌ واقعةٌ لا محالة. ورغم أنّ هذا الكلام قاسٍ، حتى بالنسبة لكاتب هذه الأسطر، إلّا أنه لا مجال للهرب من عدّة حقائق سياسية وتاريخية وثقافية.
    الواقع يخبرنا في هذه الأيام بأنّ الأزمة الاقتصادية قد ضربت أطنابها في معظم أنحاء المعمورة، وخاصّةً في أوربا والولايات المتحدة الأمريكية، وقد بات الوضع صعباً وكارثياً ولا يمكن التساهل معه، وخاصّةً بعد وصول عدّة دول إلى عتبات الإفلاس وبوادر الثورات الشعبية التي تشهدها شوارع العديد من المدن الأوربية والأمريكية، في أجواء تذكِّر بما كان يحدث في بدايات القرن الماضي، والذي ادّى إلى انطلاق موجات واسعة من الحروب والتحرُّكات الاستعمارية. ويؤكِّد المؤرِّخ البريطاني ويليام ف.إنغدال بأنّ “إن الحل الوحيد أمام آلهة المال في  وول ستريت لإبقاء الدولار على قيد الحياة يتمثل في توسيع مناطق النهب…” (انظر الهوامش)
وتتابع مقالة “الربيع العربي هو للسيطرة على منطقة أوراسيا Arab Spring is about controlling Eurasia” بأنّ ” مستقبل منطقة اليورو يبدو رماديا ً نتيجة لأزمة اليونان  المالية”. ويقول إنغدال بأنّ الأزمة اليونانية كانت مبرمجة لتنفجر عند الأمر بذلك من قبل الوول ستريت ووزارة الخزانة الأمريكية، بالإضافة للاحتياطي الفيديرالي، وذلك للدفاع عن العملية الاحتياطية وهي الدولار الأمريكي.”

    هناك أيضاً عامل مهم آخر، وهو صراع النفوذ في منطقة الشرق الأوسط بين إيران وتركيا وإسرائيل، وخصوصاً مع ورود أنباءٍ عن اقتراب الدولة الفارسية من إنتاج قنبلتها النووية الأولى، وهذا ما تجده إسرائيل يشكِّل خطراً على وجودها وأمنها القومي، مما يزيد من فرص قيام إسرائيل بتوجيه ضربةً عسكريةٍ استباقية غير محمودة العواقب لطهران، معرِّضةً بذلك كل المنطقة إلى الوقوع في أتون حربٍ طاحنة.
    ومنذ فترة ليست بالبعيدة صرّح رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأنّ فلسفة الأمن لا يمكن أن تعتمد على الدِّفاع وحده، فهي يجب أن تشتمل على قدراتٍ هجومية، والتي هي الأساس الجوهري للرَّدع. نحن نعمل وسوف نستمرّ في العمل بكثافة، وبشكلٍ محدَّد ضد أولئك الذين يهدِّدون امن دولة إسرائيل ومواطنيها. سياستنا موجَّهة بمبدئين اثنين: الأول ’ إذا جاء أحدهم لقتلك، قم واقتله أوّلا‘، والثاني هو ’ أيّ شخصٍ يؤذينا فهو مسؤولٌ عن دمه‘ !  وقد علّق أحد مستشاري نتنياهو السابقين، وهو السياسي السابق والروائي والكاتب الأمريكي جويل روزنبرغ:
” لم أسمع في حياتي نتنياهو يناقش هذين المبدأين من قبل. إنهما بالتأكيد يمهِّدان الإطار الاستراتيجي والأخلاقي لعملٍ عسكريٍّ استباقي…”  (انظر الهوامش)

إيران من ناحيتها لا توفِّر جهداً في التصريح برغبتها الثابتة في محو إسرائيل عن الخارطة، وتسيُّد الشرق الأوسط بلا منازع. وحديثاً نرى تركيا تحاول أن تلعب ذات الدور الإيراني. ولعلّنا نرى أنّ الأخوان المسلمين في تركيا ناجحون جداً إلى حدّ الآن في كسب شعبية منقطعة النظير في مختلف البلدان العربية، وخاصّةً في تونس وليبيا ومصر وسوريا وفلسطين.

    في المحصِّلة يمكننا تخيّل تقاسم الكعكة العربية بين تركيا وإيران، رغم كلّ الحساسية التاريخية بينهما. فالهدف المشتَرَك والذي هو محاولة إزاحة النفوذ الغربي عن المنطقة أكبر من الخلاف. ولو انن نرى اختلافاً بين تكتيك الأولى والثانية. فالدولة الفارسية تعتمد مبدا المواجهة وكسر العظام، أمّا الدولة العثمانية الجديدة فتعتمد مبدا المداهنة والتملُّق والمساعدة حتى الوصول إلى المبتغى المطلوب.

    أما العامل الأخير في الحرب القادمة فهو الصراع الديني- الثقافي التاريخي الإسلامي- اليهودي. فمهما حاول البعض إنكار الجذور الدينية ودورها الرئيسي المحرِّك للصراع العربي الإسرائيلي، يبقى هذا العامل ظاهراً بقوّة، ومتمركزاً حول الصراع على المقدَّسات في مدينة أورشليم (القدس). كما أنّ الكراهية والحقد المستعر بين الطرفين منذ آلاف السنين يشكِّل عاملاً حاسماً في إفشال أيّ وسيلةٍ للسلام الدائم بين الطرفين. فالصراع العربي الإسرائيلي اليوم يأخذ شكلاً شبه مطابقٍ للصراع التاريخي المرير بين مملكتيْ أدوم ويهوذا في القديم. وقد جاء الإيمان القائل بأنّ الله مسخ اليهود إلى قردةٍ وخنازير ليصبّ الزيت على النار، خصوصاً مع السيناريو الإسكاتولوجي الإسلامي الذي يفترض قتال جيش المهدي المنتَظَر لليهود في آخر الأيام.

وأنا هنا لا أنفي وجود لادينيين ومسيحيين وملحدين وعلمانيين كارهين لليهود ومقاومين لوجود إسرائيل، ولكن في الأغلبية الساحقة من الأحيان تتعلّق المشكلة لديهم بقضيّة سياسية أو إنسانية تنتهي بمجرَّد حلّها، أو أنهم متأثّرون بالمحيط الديني الذي يتخذ من كراهية اليهود عقيدة مطلقة لا تقبل النقاش، سواء كان تأثّرهم مباشر أو عن طريق عقائد سياسية مستنبطة من الوسط الديني.
    إنّ الصراع العربي- الإسرائيلي ليس فريداً من نوعه من ناحية وجود احتلالٍ واستيطانٍ وقتالٍ مرير بين الطرفين. فالقتال في  البلقان مثلاً كان أمرّ وأدهى، وقضيّة المستوطنين البيض الذين سيطروا على كلّ شيءٍ في زيمبابوي وجنوب أفريقيا لم يشهد العالم على قسوتها مثيلاً، ولكنها حُلَّت تقريباً بفضل الجهود السياسية ووجود قادة أتقياء وحكماء مستعدّين للمسامحة والغفران من أمثال نِلسون مانديلّا وديزموند توتو، وبسبب بساطة الشعب الأفريقي، الذي وإن قاوم بالسلاح، إلا أنه لم يكن ينطلق من خلفيّة أيديولوجيّةٍ تشيطن الآخر بحسب نصوص دينيّة معيَّنة.
    ورغم أنّ المصالح هي التي تقود العلاقات بين الشعوب والدُّوَل كما يُقال، إلا أن هذا لا يلغي أبداً دور نظرة هذه الشعوب لبعضها البعض. فحروب الإنكليز والفرنسيين في القديم، ورغم أنها حروبٌ ذات دوافع توسّعية مصلحية، إلا أنها كانت تجد لنفسها جذوراً في الكراهية القبلية بين الفرنك والأنكلو-ساكسون. كما أنّه لا يمكننا أن نتوقّع علاقات ممتازة بين الهند وباكستان في وقتنا الحاضر طالما بقيت الكراهية قائمة بين الهندوس والمسلمين، والتي هي أساس النّزاع على كشمير، ونفس الوضع ينطبق على أرمينيا وأذربيجان وأرمينيا وتركيا، فصراعات هؤلاء في الأساس دينية- ثقافية، قبل أن تكون صراعات على النفوذ والسيطرة والأراضي والثروات.
    إنّ الأفكار لها عواقب، والقناعات والمشاعر أيضاً لها نتائج، جيّدة أو كارثية. وطالما أنّ الحقد يعمِّر في قلوب سكّان الشرق الأوسط، فلن تهدأ هذه المنطقة أبداً، لأن المشاعر والعصبيات الدينية- العقائدية والدينية- الثقافية هي المحرِّك الأساس لهذه الكوارث.
ولأنني متأكّدٌ بأنّ الحقد ما انفكّ يتزايد ويتعاظم بفِعل العديد من العوامل الاقتصادية والدينية والاجتماعية، لذا فأنا متأكِّدٌ من أن الانفجار قادم حتماً.

الهوامش:

حديث ويليام إنغدال
 http://real-agenda.com/2011/11/01/%E2%80%98arab-spring-is-about-controlling-eurasia/

حديثا بنيامين نتنياهو وجويل روزنبرغ
http://flashtrafficblog.wordpress.com/2011/11/01/speculation-growing-about-possible-israeli-first-strike-against-iran-netanyahu-warns-israeli-parliament-about-iran-nuclear-threat-says-a-security-philosophy-cannot-rely-on-defense-alone/</strong&gt;

مواضيع مرتبطة:

زكريّا: نبوءة لامنطقية يثبت التاريخ دقّتها

الثورات العربية: إعداد المسرح لحروب الأيّام الأخيرة

أمّةٌ على حافّة هرمجدّون

الطريق إلى وادي يهوشافاط

الإعلان

2 comments

  1. أخي العزيز فادي

    أنا أوافق على الكثير من التحليل

    لكن أظن أن الحرب في المنطقة لا تحتاج لأكثر من كون تسكن هذه المنطقة شعوب تؤمن بقافة ( ما أخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة ), أو عقيدة أعدوا لهم ما استطعتم من عدة ( كل ما ملكت أيمانهممن أصناف الأسلحة وأخواتها ….. ).

    لذلك أتمنى أن يكون التوجه الفكري لكل من يقرأ هذه المقال هو : هل أنت مستعد لما بعد الحرب أي الموت وهو حتمية ؟

    والرب يباركك

    • بصراحة كنت اميل إلى أن يكون ما ذكرت أخي العزيز هو العامل رقم واحد في مقالتي، ولكني أردت ان أضع بعض العوامل السياسية والاقتصادية أولاً من أجل من يحب هذا النوع من البحوث.
      من ناحيتي أنا مؤمن معك تماماً بأن الكره وثقافة القتال هي من سيجر المنطقة إلى الحرب عاجلاً أم آجلاً.

      ويبقى الأهم: ما هو رجاؤنا؟ وكيف ننال السلام الداخلي يأنه مهما حدث فنحن في النهاية في مأمن؟

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.