خاطرتان في الله والتّقديس


بقلم فادي أبو ديب

smokey

سُئِلت بضع مرّات وهوجمت علناً عدّة مرّات، وأثق بأنّني هوجِمت من خلف ظهري أكثر، سُئِلت: أين اسم الله فيما تكتب؟ لماذا لا تكتب عنه؟

لذا أقول: الإله الذي لا يمكن التعرُّف إليه إلّا من خلال اسمه ليس إلهاً بل وَثَناً صفيقاً، ويا مَن لا تستطيع رؤية الله إلّا من خلال اسمه…يا لها مِن عبادة!

إلهي لا اسم له…لا شكل له…لا لون له…لا جِنس له…لا انغماس لديه في ذاته…لا يُحِبّ حتّى أن يُعرَف كزعيمٍ، بل كنبضةٍ غريبةٍ في القلب…نبضةٌ لا اعرف كيف أعبِّر لك عنها…هو ارتعاشةٌ صوت في وسط الألم بأنّ كل شيءٍ بخير ليس لأيّ سببٍ معقولٍ أبداً.  نحن، معشر البشر، يا صاحبي، لا نقدر على تخيُّل الآلهة إلّا كقادة وزعماء يحبّون مجدهم الشخصيّ، ويذوبون نرجسيةً أمام ذواتهم في مرايا التَّكرار البليد.


إلهي طَلَب منّي ألّا أتخيّله، وأن لا أتحدّث باسمه كثيراً، وحسبُهُ أن يُفرِح قلباً وأن يمنح أملاً، وأن يهِب حُبّاً لشخصٍ يجعله يعشق الوجود بكلّ ما فيه…حسبُهُ أن ينتقل نبضاً وحرارةً…ورغبةً في نقل الفرح والرّجاء والدِّفء…حسبُهُ أن يرى ابتسامةً…ثمّ يختفي ليتلصّص بفرحٍ على انصرافنا الجَذل إلى المحبّة من وراء جدار بذل الذات الشفّاف.

*****

تقديس الشَّخص في الدّين هو خروج عن ماهية النصّ؛ فالحكماء يكتبون كلّ شيء لغاية. إنّهم يستعملون التاريخ الحقيقي والأسطورة والرَّمز والرِّواية لإيصال الحكمة للإنسان. مهمّة الإنسان هي أن يُدرِك ما هو غاية في الأهمّيّة لحياته وإدراكه ولمعنى وجوده في الحاضِر. مهمّته أيضاً أن يعرف ما هو الجوهريّ، أي ما هو العنصر الذي يجب أن يكون المركزيّ في حياته. الهوية؟ المال؟ الممتلكات؟ الحبّ؟ التوحُّد مع الآخر؟ العيش في الزمن خائفاً من نهايته؟ العيش في الأبديّة في حضور الرَّاهن؟


ليست مهمّته إذاً أن يقف في مكانه ويقدِّس أشخاص التاريخ أو الأسطورة أو الرِّواية، فتقديسُه هذا لن يفيده في زيادة إدراكه أو معرفتهِ، لا بل أنّه لن يفيده في الاقتداء بمَن يظنّهم أهلاً للقُدوة، وهو بالتأكيد لن يجعله أكثر فرحاً وسعادةً.


السّلوك ينجم عن الاندماج بالحقيقة والسّماح لها بتملُّك الشّخص والسيطرة عليها، وهو لا ينتج عن التّقديس الذي يهدف إلى تثبيت الهويّة الدينيّة، والتي هي ضَرب من ضروب الهويّة الثقافية القَبَليّة.
التقديس إذاً هو بشكل ما عَمَل سِياسي.

لاحظوا أنّ يسوع المسيح نفسه اعتبر بأنّ الآخرين قادرون على فِعل ما هو أعظم منه، وهو إن دعا إلى الإيمان به، فهو قد فَعَل هذا بحسب ما يرد في سيرته من منطق أنّه المعلَّم الذي يعطي تلاميذه عِلماً معيَّناً يستفيدون منه، كما يفعل كلّ المعلِّمين الحقيقيّين. لقد اعتبر أيضاً أنّ هذا الحقّ الذي يقدِّمه يحرِّر الإنسان، يحرِّره من رَبِقة السُّلطة الدّينية مهما كان شكلها، ومن وهم العبودية للأنا واليأس من أنّه يمكن للانكسار والحبّ والرّحمة أن يغيِّروا كلّ شيء ويعطوا المرء رؤية الله نفسه. هو المعلِّم الذي يُعدّ تلاميذاً ليصيروا معلِّمين آخرين.

 

الإعلان

60 comments

  1. “لماذا تجسّد المسيح؟ إنّه سرٌّ ولا ريب! ولكنّه سرّ ينجلي قليلاً إن فكّرنا في أنّ التجسّد حصل ليُلاشي الحيرة بشأن صورة الله.”
    هذا ما قرأته في مقالتك “صار إنسانا لكي يصير إلها”.

    لكن هذه المقالة تؤكد على أن الله طلب منا ألا نتخيله، وأنه لا اسم له ولا شكل، وأننا نشعر بالله في أعماقنا.

    المقالتان تناقض كل منهما الأخرى من وجهة نظري.

    • صحيح. ولكن الهدف من كل مقالة يختلف. المقالة الثانية موجهة لجمهور محدد وفي ظرف محدد في ذلك الوقت، أما المقالة الأولى فهي أكثر ارتباطاً باللاهوت المسيحي.

      من ناحية أخرى، يمكن التفريق بين تجسد الشخص الإلهي من جهة، وعدم تخيل جوهر الله أي ماهيته، وهذا فرق دقيق جظاً يحتاج إلى بعض التعمق بالمفردات الرئيسية للاهوت المسيحي.

      المقالة الأولى لاهوتية. أما الثانية فاجتماعية سلوكية إن صح التعبير، ولدي بعض التحفظات
      عليها اليوم.

      الثانية تشبه جواباً لطفل يسأل والديه كيف أنجبتماني؟ هنالك أجوبة محددة لظروف محددة.

    • من ناحية أخرى، صورة الله في الاقتباس أعلاه لا تعني شكل الله، وهي كما في “خلق الله الإنسان على صورته”.

      بينما في المقال الثاني تعني الشكل.

      في اللاهوت المسيحي التصوفي يتبع الطريقان، طريق الإثبات، كأن نقول إن الله صالح. وطريق النفي حين يرفض إسباغ أي صفة على الله لكي لا نتصورها بالمعنى البشري، فيقال الله ليس ليس صالحاً.

      • “خلق الله الإنسان على صورته” هذه آية من الكتاب المقدس صح؟ أسأل لأني لست متأكدة.

        إذا كانت الإجابة نعم، فأرغب بمعرفة المقصود منها إذا لم تكن الإشارة هنا للشكل.

      • نعم، هي من سفر التكوين.

        المقصود منها كان مجالاً لتأمل المفسّرين على مرّ العصور، ولكن يمكن تلخيص الآراء ربما بعدد من النقاط، مثل: الجانب الأخلاقي في الإنسان أي أنه ينظر إلى الأمور والحياة على أنها ذات معنى وغاية. العقل والقدرة على اكتساب المعارف بصورة لا نهائية (يعني لا يمكن تعريف حدود لمعرفته) فنحن نقول إن الإنسان محدود ولكن لا يمكن بالفعل تحديد هذه الحدود. والأهم ربما هو الجانب الشخصاني، فالإنسان ذو شخصية وهذه الشخصية بتمايزها عن غيرها خالدة، بمعنى أنها موعودة بالحياة الأبدية (شخصياً، أرغب أن يكون للحيوانات حياة أبدية :) ). وهو أيضاً ناطق ذو كلمة، وخلّاق مبتكر.

  2. هل يمكن القول أن الله له عقل وقدرة على اكتساب المعارف؟ ثم إن البشر حتى ولو كانوا يتمتعون بشخصيات متميزة إلا أنهم يتفقون مع بعضهم أحيانا ببعض الصفات، وهذا لا ينطبق على وصف الله منطقيا.
    واضح أنك تحب الحيوانات جدا 🙂

    • يجب أن نتنبه إلى أن أية محاولة “لتوصيف” الله هي محاولة قاصرة جداً. إنها محاولة منا لاستعمال الشيء الوحيد الذي نمتلكه من ناحية التعبير الخارجي، وهو اللغة، للتعبير عن اختبارنا للألوهة. ولهذا ذكرت البارحة أن البعض يصرون على استعمال الطريقة السلبية وهي طريقة النفي، فلا يقولون “الله صالح” إلا ليتبعوها فوراً بالقول “الله ليس ليس صالحاً”، ليحفظوا التوازن بين الإيجاب والسلب على الأقل في أذهانهم ولكي لا يغرقوا في “التصوّر” و”التجسيم”. كل محاولاتنا قاصرة.

      طبعاً لا يمكن أن نقول إن الله يكتسب المعارف. الله كلي المعرفة، ولكن ما يوافق هذه الصفة عند الإنسان هو القدرة على اكتساب المعارف بشكل لا يمكن حصره. والحديث عن البشرية ككل وليس عن الإنسان كفرد فقط. فالإنسانية كلها هي شخص واحد أيضاً “بمعنى ما فقط”. ومهما قلنا إن الإنسانية محدودة القدرة نكتشف يومياً أن هذه الحدود تبعد خطوة إضافية، وهكذا.

      نعم البشر يتفقون مع بعضهم بصفات معينة وهي الصفات البيولوجية والصفات “الطبيعية” كجنس من الرئيسيات أو “الحيوانات العليا”، ولكن “شخصانياً” هم متميزون كبصمات الأصابع. هذا المفهوم الأخير مفهوم فلسفي على كل حال وهو ككل شيء في الفلسفة مفتوح للنقاش والجدل.

      أنا لا أحب الحيوانات جداً بقدر ما أنني أرى فيها بذرة لشخصيات حقيقية ربما يُكتَب لها التطور والنضج في بعد آخر من أبعاد الوجود. لا أستطيع أن أرى فيها قابلية للفناء كما يشاع عنها. :) وهذا مجرد حدس طريف لا أملك إثباته.

  3. لكنك ذكرت أن المسيح تجسد ليلاشي الحيرة حول صورة الله. وفي التعليق هنا تقول أن أي محاولة لتوصيف الله هي محاولة قاصرة جدا.

    هناك فرق بين أن يكون شخص كلي المعرفة وأن لا يكون هناك حدود لمعرفته. عدم وجود حدود والبحث الدائم عن المعرفة لن يقود إلى المعرفة الكلية لأنها صفة من صفات الله وحده. وصول الإنسان لها يعني أنه تحول إلى إله.

    • نعم أي توصيف لغوي هو توصيف قاصر يمكن له أن يحد حدوداً ولكن من الصعب أن يعبر عن ماهية. تجسد المسيح في الأساس اختبار سرّاني وهو لم يوصف لغوياً. يعني ذُكر ولم يُشرح ككيفية.
      ملاشاة الحيرة لا تتم عن طريق التوصيف اللغوي بل عن طريق الاختبار السراني أو “المشاهدة” كما في المصطلح العربي. أي هو لقاء داخلي.
      وبطريقة أبسط، يمكنني أن أختبر شخصاً معيناً أو أختبر حقيقته من دون أن أكون قادراً على توصيف ذلك بالكلام.
      وبشكل أبسط بكثير، يمكنني أن أستمتع بعطر معين وأعجز عن وصفه. كيف ستعبر اللغة عن عطر؟ في أفضل الأحوال عن طريق التشبيه. والتشبيه قاصر.
      نحن لا نعرف ما هو المقدر للإنسان من حيث المعرفة في هذه الحياة وبعد هذه الحياة، وحتى لو وصفت لنا لن نعرف، فالمعرفة أيضاً لا توصف وإنما تُختبر.
      مسألة تأله الإنسان مسألة حساسة لغوياً. والتعبير في اللغة العربية مضلل بعض الشيء، ولكن في اليونانية هناك عدة مصطلحات للتعبير عن الأمر، أحدها يشير إلى اتحاد الإنسان بالقوات الإلهية وليس بالجوهر الإلهي الذي لا يمكن لأحد اختباره أو معرفته أو حتى التفكير به.
      هناك توصيف عقلي إذن وهناك اختبار سراني. وأزعم أن حياتنا هذه فيها ما لا يمكن وصفه إلا بما هو قاصر رغم حقيقيته، فالأمر لا يتعلق بالإلهيات فقط.

  4. تجسد المسيح في الأساس اختبار سرّاني وهو لم يوصف لغوياً. يعني ذُكر ولم يُشرح ككيفية”
    أنا لم أسأل عن الكيفية التي تجسد بها المسيح عليه السلام من وجهة النظر المسيحية. أنا سألت لماذا تجسد إذا كان لن يزيل حيرتنا بشأن صورة الله؟

    نعم أوافق أن بعض الأشياء نؤمن بوجودها من آثارها ولسنا بحاجة لمن يخبرنا عنها. الله نؤمن به لأننا نرى آثار صنعه في أنفسنا ومن حولنا. مفهوم الإيمان أصلا هو مفهوم غيبي، يعني لا يمكن لي أن أقول أنا أؤمن أن هذا البيت موجود. التعبير خاطئ.
    نعم أعتقد أن الإنسان يرتبط بالقوة الإلهية إذا هو أراد ذلك، وما عبادتنا إلا محاولة للاستزادة من هذا الارتباط وهذه القوة التي تعيننا على مواصلة المسير. الأمر ليس محصورا بشخص واحد إذاً.

    المعرفة الكلية لا تعني المعرفة العلمية فقط بالطبع. المعرفة الكلية قد تعني الوقت الذي سيموت به فلان من الناس مثلا، وموعد عودة المسيح عليه السلام إلى الأرض وموعد يوم القيامة وغير ذلك. هل فعلا تعتقد أن الإنسان قد يصل إلى هذه المعرفة الكلية؟

    • الله اعلم، ولكن الأقرب إلى التصديق أن الإنسان سيستمر في اكتساب المعرفة إلى ما لا نهاية، ولكنه مهما “تأله” لن يصير هو الله. فهو لن يكتسب المعرفة الكلية التي هي عند الله وحده.

      كما ذكرت أعلاه، من المفترض أن التجسد أزال الحيرة بشأن صورة الله وغاية الإنسان. هو طبعاً لم يزل الحيرة عن كل ما في الوجود، وإنما عن ما يهم الإنسان وهو صورته الأصلية، نموذجه أو مثاله الأصلي الذي ينبغي أن يكون الإنسان عليه، أن ينظر لله كأب وأن تكون العلاقة معه كالعلاقة بين أب وابنه، وليس كسيد لا يرحم كما كان شائعاً في العالم القديم وفي عالم الرومان والإغريق وغيرهما.

      طبعاً هذا التصور صار بديهياً إلى حد ما اليوم ولا نشعر بثوريته، ولكن في ذلك الوقت كان الأمر ثورياً للغاية، فالعالم الإغريقي قبل ألفي عام لم يكن يتصور أن العلاقة بين الله والإنسان يمكن أن تكون بهذه الحميمية، حتى لو كانت ألهتهم تنزل وتختلط بالبشر كما في قصصهم.

      صحيح ما قلتِ. الإنسان يرتبط بالقوة الإلهية إذا هو أراد ذلك. والعبادة هي هذه المحاولة. والأمر ليس محصوراً بشخص واحد بل هو متاح للجميع، لأن الصورة الإلهية في جميع الناس. بحسب قراءة معينة لتجسد المسيح، فهي كانت مقدمة ليكون الأمر أو “التأله” بحسب المصطلح اليوناني، من نصيب الجميع، أو إبراز نموذج من أجل تحديد الغاية وتثبيت الهدف.

  5. “بحسب قراءة معينة لتجسد المسيح، فهي كانت مقدمة ليكون الأمر أو “التأله” بحسب المصطلح اليوناني، من نصيب الجميع، أو إبراز نموذج من أجل تحديد الغاية وتثبيت الهدف”
    هل هذا يعني مثلا أن موسى عليه السلام(الذي أرسله الله قبل تجسد المسيح عليه السلام) لم يحظ بهذه القدرة؟

    • لا لم يحظ بها بحسب هذا الفهم. بحسب الفهم التقليدي يُعتبر النبي موسى من مؤمني “العهد القديم” الذين ماتوا على رجاء “العهد الجديد” الذي افتتحه التجسد. ولهذه الفئة معاملة معينة يدرسها المهتمون ضمن شكل معين.

      ولكن بعيداً عن التعقيد فموسى كان كليم الله. من غير الواضح ما الذي يعنيه هذا بالضبط، ولكن يعني أن له مكانة مميزة للغاية. المسيح في الإنجيل قال إن يوحنا المعمدان أي النبي يحيى كان أعظم من ولدتهم النساء ولكن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم منه!

      المعمدان كان خاتمة العهد القديم. ويظهر من هذا القول الغامض إن هناك شيء كان مخفيا في زمن العهد القديم. ما هو، لا أعرف بصراحة.

      ولكن يمكنني أن أتكهن. ربما المقصود هو أن المؤمنين في العهد القديم بما فيهم أنبياء ذلك الزمن كانوا يسعون إلى اتصال حسي بالله وإلى ملكوت سماوي أرضي أي سياسي، أو أرض الميعاد. أما في العهد الجديد فتم الحديث عن ملكوت السماوات بوصفه حالة يصل إليها الإنسان في روحه قبل أن يكون ظاهرة حسية خارجية، وأن الحياة الأبدية هي حالة معرفة أو إشراق جواني، وهي معرفة الحقيقة التي تحرر الإنسان من الرعب من الله. وإن الإنسان ابن لله والله أب وليس جلاداً.

      طبعا أحاول هنا أن ألخص بعض النصوص من هنا وهناك، بالمقارنة بين العهد الموسوي القديم والعهد الجديد.
      والأمر يحتاج إلى دراسة منفصلة بلا شك.

  6. ألا تعتقد أنه من الظلم معاملة إنسان بناء على الوقت الذي وُلد أو عاش فيه؟

    لا أعتقد أن موسى عليه السلام وقومه نظروا إلى الله كجلاد، وبقراءة منطقية للأمور نجد أن شعب بني اسرائيل تم إنقاذهم مرارا وتكرارا وقُدم لهم من المعجزات مالم يقدم لغيرهم، وكانوا يعودون للعصيان ويُغفر لهم من جديد. هذه العلاقة علاقة رحمانية كما أراها.

    أما عن سعي أنبياء ذلك الزمان إلى ملكوت أرضي سياسي فأريد دليلا على ذلك. حسب علمي ذهاب موسى عليه السلام إلى أرض الميعاد كان أمرا إلهيا وأنت أكدت ذلك في تعليق على منشور سابق.

    سؤال أخير: هل تعتقد فعلا أن تجسد المسيح جعل الإنسان المسيحي يصل لملكوت السماوات في روحه؟ هل تعتقد أن “الإشراق الجواني” ينبع من كون الشخص يؤمن بالتجسد؟

    • أنا لا أحاكم الإسرائيليين على قيم زمنهم. أنا أصفها فقط. شريعة موسى كانت مثلا تعاقب كثيراً من الخطايا بالإعدام. هذا الشيء ألغاه العهد الجديد. هذا منظور تطوري فقط.

      الدليل على الملكوت الأرضي واسع جداً. أسفار أنبياء التوراة مترعة بنصوص كهذه التي يمكن بالطبع روحنتها رمزياً، ولكن معظم اليهود يقرؤونها بشكل مادي. وباستثناء الفرق الصوفية جميع اليهود يؤمنون ببديهية المملكة السياسية. وفي أيام المسيح كان اليهود ينتظرون ملكوتاً سياسياً يحررهم من الرومان. الأمر لا يتعلق بموسى النبي فقط. اليهودية لديها كثير من الأسفار.

      تجسد المسيح لا يمنح أي مسيحي أي شيء، فالديانة الموروثة لا تضمن الإشراق ولا علاقة ضرورية بينها وبينه. الإشراق يمكن أن يعطى لأي إنسان. لا أظن أن الإيمان بالتجسد شرط لازم، وأنا هنا أخالف كثيراً من المسيحيين. أرى فكرة التجسد لمن يتأملها ملياً عاملا مساعدا لإدراك إمكانية وملموسية فكرة اتحاد اللاهوت بالناسوت وتآزرهما في الإنسان، كما أن المطالعة تزيد فرص الإنسان لاكتساب مهارات معينة.
      هذا أحد الأسباب الذي يجعلني لا أشدد على الديانة الظاهرية الموروثة وأجد فيها موروثاً ثقافياً بشكل رئيسي.

    • طبيعة الحياة وسياق التاريخ يفرضان أن ننال بشكل محدود. تعبير ملكوت السماوات يدل على عدة أشياء: ملكوت السماوات الداخلي، الملكوت داخلنا، والملكوت الذي يرجوه المؤمن أن يكون بعد الموت، وأيضاً الملكوت في نهاية التاريخ.
      لذلك كون أن فلاناً أعظم من فلان قد لا تعني أكثر من أن فلاناً حصل على فرصة معرفية داخلية لم ينلها غيره من قبل.
      وهذا وارد في جميع تصورات الأديان الابراهيمية، قبل وبعد، شريعة ونعمة، جاهلية وإسلام، إلخ.

  7. ألا تعتقد أنه من الظلم معاملة إنسان بناء على الوقت الذي وُلد أو عاش فيه؟

    هل الله يخلقنا في الوقت الذي يريد ثم يحاسبنا على ما أراد فيكون النبي يحيى الذي أمضى حياته في خدمة الله أقل مكانة من من جاء بعد التجسد؟

    هل هذه هي علاقة الأب بابنه التي أسسها التجسد؟

    هناك تناقض في طرحك من وجهة نظري، أنت تؤمن أن التجسد لن يضيف شيئا لأي شخص وتؤمن أن من جاء بعده سيحظى بمكانة أعلى في ملكوت السماوات.

    • لا، أنا دقيق في تعبيري. هو لن يضيف شيئاً لأي شخص لمجرد أنه ولد بعد التجسد أو ورث المسيحية ديناً له. وأنا فهمت تعبير “مسيحي” في سؤالك بمعنى الوارث لها ديناً.

      المسيح قال إن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم من المعمدان. وهنا لم أتطرق إلى مفهوم الروح القدس. سؤالك يتطلب رحلة كاملة في سردية اللاهوت المسيحي.

      الذي يؤمن بالتجسد ينال الروح القدس الذي يقيم علاقة بنوية خاصة بين الله والإنسان. فالتجسد بالطبع يضيف شيئاً ولكن لمن يريد ويسعى وليس بالضرورة تلقائياً. هو فتح الباب للبشرية لكي تستعيد علاقتها بالألوهة، من خلال جمعه للعنصرين الإلهي والإنساني في شخصه.
      هذا المفهوم وهذه الحقيقة من وجهة النظر المسيحية لم تكن موجودة في العهد القديم ولا عند يوحنا المعمدان.

      هذه هي وجهة النظر المسيحية. مسألة الاتفاق معها قضية إيمانية أخرى.

      ومع ذلك جوابي السابق تضمن القول إنه قد يتمكن الإنسان بطريقة ربانية ما أن ينال ما يشبه مفاعيل الإيمان بالتجسد من دون أن يسمع به أو يعرفه. لا نستطيع أن نفرض شروطاً على عمل الله.

    • “هل الله يخلقنا في الوقت الذي يريد ثم يحاسبنا على ما أراد فيكون النبي يحيى الذي أمضى حياته في خدمة الله أقل مكانة من من جاء بعد التجسد؟”

      ليست المسألة مسألة حساب كما أشرت في الجواب السابق. هي مسألة معرفة ربما واكتشاف للمزيد من الجوانب الإلهية على كافة مستويات الوجود.

      ولكن يلفتني هنا أن أنبّه إلى مسألة قد تكون مثاراً للاختلاف في الفهم.
      من وجهة النظر المسيحية الأنبياء ليسوا اناساً كاملين وهم بالتأكيد ليسوا معصومين. هذه النظرة تنطبق على اليهودية أيضاً.

      النبي في المفهوم اليهودي، كونها كلمة يهودية أيضاً من حيث المفهوم وربما اللفظ أيضاً (غير متأكد من الناحية الثانية)، هو شخص اختاره الله ليوصل رسالة معينة (رسول) وليتنبأ بأمور معينة أو ليحذر من أمور معينة. هذا بالطبع يفترض سمات عظيمة في الشخص أو على الأقل قلباً نقياً أو ربما يختاره الله لسبب لا يعلمه إلا هو. لكنه لا يفترض المعصومية أو الكمال إلا من ناحية الإخلاص لعبادة الله، فهو قد يخطئ. ولكن هذا لا يفترض فيه المعرفة الروحية الكاملة التي لا يشوبها النقص. بمعنى أن النبي هو ابن زمنه من ناحية المعارف، إلا إذا كشف له الله معارف معينة وغالباً يكون هذا الكشف من أجل إيصال رسالة لقومه.
      أنا واعٍ بالطبع إلى الاختلاف في مفهوم النبوة ومضامينها بين الأديان الابراهيمية.

      • “هي مسألة معرفة ربما واكتشاف للمزيد من الجوانب الإلهية على كافة مستويات الوجود”
        “المسيح قال إن الأصغر في ملكوت السماوات أعظم من المعمدان”

        أعتقد أنه يشير هنا إلى الحياة الثانية، وهذا يعني أن الأمر لا يتعلق بفهم أكبر للذات الإلهية أو اكتشاف جوانبها لأن ذلك يحدث قي حياتنا الأولى.

        وبصرف النظر عما سبق، هل تعتقد أن البشر بعد التجسد لديهم معرفة بالله أكثر؟ وفي حال كانت الأجابة نعم ما هي هذه الجوانب التي اكتشفت؟

        هل حديثك عن الأنبياء وعصمتهم يشمل المسيح عليه السلام؟

        نحن أيضا نعتقد أيضا أن الأنبياء قد يخطؤوا، لكنهم معصومون عن الخطأ فيما يتعلق بالرسالة السماوية التي يحملونها والكبائر.

      • نعم، قد يكون المعنى كما تقولين. مفهوم ملكوت السماوات في الكتاب المقدس له العديد من المعاني المتداخلة. ولهذا الأمر دراسات نقدية منفصلة بحسب النص والموضع. ولكن لا يمكننا مع ذلك إغفال موضوع المعرفة. وهذا يحيل أيضاً على السؤال التالي الذي طرحته.

        قبل المسيح كانت العبادة اليهودية وكل عبادات الشرق الأدنى القديم وغيرها (ولكننا معنيون الآن باليهودية كونها ديانة توحيدية) تقوم على تقديم الذبائح في الهيكل عبر وسيط كهنوتي وسلسلة طويلة من الأمور الدقيقة. المسيحية اعتبرت أنّ هذه العبادة كلها كانت رمزاً للمسيح وقد تمت ولم يعد لها داع. صار يمكن للإنسان أن يصير “ابناً” لله وليس بحاجة للذبائح، ويتكلم معه كأب سماويّ. صارت العلاقة داخلية عائلية بالدرجة الأولى. وألغيت الوظيفة الكهنوتية الأصلية. أما الكهنوت المسيحي الحالي (في الطوائف القديمة) فوظيفته رمزية إلى حد ما. وفي طوائف أخرى أٌلغي تماماً واستُبدِل باسم آخر ومفهوم آخر.

        هذا من ناحية العبادة الشخصية. ولا نتكلم الآن عن وظيفة التجسد في التاريخ الكلي للبشرية، لأن هذه مسألة طويلة عريضة :) ولكنها تقوم على أساس اتحاد العنصر الإلهي بالعنصر الإنساني ككلّ ونتائج ذلك في تجديد الخليقة كلها وهذا يتجلى في نهاية الزمان.

        طبعاً إلغاء الكهنوت والذبيحة صار إلى حد ما أمراً بديهياً اليوم، فلم نعد نشعر أصلاً بأنه جديد، لأننا لم نعش لنرى ذلك النسق الديني القديم بكل مضامينه. هناك بقايا واهية منه نراها في النذور في الديانات الثلاث وفي “عيد الأضحى” (رغم أن هذا الحدث يحيل على ابراهيم وليس على شريعة موسى مباشرة) مثلاً في الإسلام وأمور فرعية على طرف العبادة وليس جزءاً رئيسياً من العبادة اليومية.

        هذا لا يعني أبداً أنه لم يكن هناك أفراد هنا وهناك يمتلكون علاقة داخلية وحقيقية مع الله بين اليهود قبل المسيح. ولكننا نتكلم عن نسق كامل وعبادة جماعية.

        أحاول أن أكون مختصراً قدر الإمكان. لأن الجواب الكامل على السؤال يعني دراسة مستفيضة في جميع جوانب اللاهوت أي الفقه المسيحي :D ويتطلب بالضرورة الدخول في مسألة السقوط البشري والصلب والقيامة من بين الأموات.
        فعلى سبيل المثال لا توجد في جميع الكتب اليهودية المقدسة (لا أتكلم الآن عن التلمود وهو مؤلف متأخر) إلا إشارات ضعيفة وغامضة عن البعث أو القيامة الجسدية من بين الأموات. ويوجد إشارات أيضاً سريعة وغامضة إلى الحياة الأبدية بكافة مفاهيمها- متفرقة ويمكن للإنسان أن لا ينتبه إليها. التركيز اليهودي الأكبر كان على التوحيد نفسه وعلى العبادة الطقسية والإخلاص لله وعلى مفهوم أمة إسرائيل وعلى استرداد الأمة في أرض الميعاد بعد السبي البابلي الذي شكل ربما أكبر صدمة للوعي الإسرائيلي في العصور القديمة، حتى صدمة تدمير أورشليم القدس عام 70 م وتدمير الهيكل الثاني ومقتل ما يقارب المليون يهودي على يد تيطس الروماني.

        ولذلك في أيام المسيح كانت طائفة الصدوقيين اليهودية واسعة النفوذ تنكر القيامة من بين الأموات على سبيل المثال.

        هذه الأمور كلها ظهرت في المسيحية وصارت بديهية ونجدها في الإسلام مثلاً من أركان الإيمان الأساسية التي لا يمكن تصور الإيمان من دونها.

        بالنسبة للعصمة، بالتأكيد المسيحية لا تحتفظ بقائمة سرية من خطايا الأنبياء :) ولكن الفكرة هي أنهم بشر وبالتالي قابلين للخطيئة وبعضهم فعلها بشكل واضح. ولكنهم يعتبرون جميعاً قدّيسين بالطبع. والقدّيس يخطئ.

        هذا لا يشمل المسيح طبعاً بالنسبة للمسيحية، لأن المسيح لا يُعتَبَر نبياً، بل كانت لديه وظيفة نبوية فقط أثناء رحلته الأرضية. وطالما أن المسيحية ترى المسيح هو الإله المتجسّد، الذي لبس الجسم البشري، فهي بالتالي لا تراه خطّاءً، لأن اللاهوت يعصم الناسوت عن الخطيئة كما أن الناسوت لا يخطئ بسبب كماله. هذه الناحية فيها نقاش بين المفسرين على كل حال، فيما إذا كان قابلاً للخطأ ولكنه لم يخطئ، أو لم يكن في الأصل قابلاً للخطأ. وأنا بصراحة اعتزلت هذه النقاشات منذ زمن لا بأس به :)

  8. “صار يمكن للإنسان أن يصير “ابناً” لله وليس بحاجة للذبائح، ويتكلم معه كأب سماويّ. صارت العلاقة داخلية عائلية بالدرجة الأولى”

    مجددا، ألا تعتقد أنه من الظلم أن يعامل البشر وفقا للزمن الذي خُلقوا فيه؟

    بالنسبة للأضحية في الإسلام هي سنّة وليست واجبة ويأكل منها صاحبها وأهله والفقراء، يعني الأمر يختلف عن القرابين التي كانت البشرية تقدمها للآلهة.”لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤُها ولكن يناله التقوى منكم”.

    “ويتطلب بالضرورة الدخول في مسألة السقوط البشري والصلب والقيامة من بين الأموات” طبعا لدي فضول لمعرفة ما تعتقده في ذلك ولو بشكل مختصر إذا كان ذلك لا يسبب إزعاجا أو يأخذ من وقتك وأتفهم امتناعك عن الإجابة في حال لم ترغب بذلك.
    طبعا أنا لدي فكرة عن الموضوع ولكن لا أعرف إذا كان الجميع يعتقد بها أم أن هناك اختلافا بين الطوائف.

    • لا أعتقد أن الله سيحاسب البشر على ما لا يعلمون به. هذا أولاً.
      المعرفة ليست كلها من أجل الحساب، ولكن للاستزادة واليقين والتأمل والاكتشاف.
      الله سيحاسب كل إنسان على ما يعلم. وما فعله الإنسان بالضمير قبل التجسد يعتبره الله في حكمته الفائقة.
      هل من الظلم أننا اليوم نأخذ اليوم لقاح الحصبة بينما الناس في السابق كانت تموت بهذا المرض؟ لا أدري.

      هذه طبيعة الحياة الدنيا. هناك كشف تدريجي للذات الإلهية من ناحية، وللأعمال الإلهية في الخليقة من ناحية أخرى. والإنسان لن يُحاسَب بالجنة أو النار لأنه لم يعرف كل شيء.

      الحساب مسألة منفصلة.

      هناك طبعاً أقاوبل لاهوتية كثيرة عن أن التجسد صالح الإنسانية والبشر قبله وبعده مع الله. ولكنني لن أدخل في هذا الآن.

      أنا مدرك بالطبع أن الأضحية في الإسلام لا تقدّم بنفس المفهوم القديم، ولكنني أشرت فقط أن هذه الممارسة وممارسة النذور تذكرنا بتلك الممارسة القديمة التي استمرت حتى الآن، ولو ان معناها تغير ورمزيتها اختلفت بعض الشيء.

      من ناحية السقوط ومعنى الصلب، فيمكن النظر فيهما من عدة جوانب. بالطبع لا مانع عندي من الإجابة، ولكن الموضوع طويل جداً بالحقيقة ويفتح كماً هائلاً من الأسئلة والتأملات. هذه المسائل هي مدعاة للاكتشاف الدائم، لأن الأمور الإلهية ليست أموراً ننهيها ونضعها في جيوبنا كما تعلمين ثم نرتاح. هنالك إيمان بأمور معينة بالخطوط العريضة، ولكن باقي الأمور نقضي معها العمر كله وما بعده.
      فالبعض يأخذ السقوط حرفياً، بأنه خطأ أدم وحواء عندما أكلا من التفاحة…إلخ وبالتالي غضب الله منهما وأراد ثمناً لذلك، ولأن الثمن كبير فلا يوجد من يؤديه إلى الله نفسه فكان التجسد الإلهي لكلمة الله.
      أنا أعتبر مع كثير من اللاهوتيين المهمين أن هذه قصة رمزية تشير إلى حصول الشرخ بين الإنسان والله، نتيجة ظهور الوعي المثنوي عند الإنسان، أو انتقاله من حالة الوعي الفردوسي كما عند الإنسان البدائي إلى حالة “العقل النقدي”. ويمكن أن نرى أنه ربما كانت هذه المرحلة حتمية في إطار التطور البشري نحو اتحاد اعلى شأناً مع الألوهة، اتحاد لا يقوم على السذاجة البدائية بل على المعرفة الواعية. هذه قصة طويلة.

      الصلب في أحد جوانبه فقط، هو كما تقول الترتيلة الشهيرة “الانتصار على الموت بالموت”، فلا يمكن فهمه من دون القيامة. وهذه تٌفهَم على مستوى وجودي أعلى.
      إنه إماتة الطبيعة البشرية الساقطة وإقامتها مجدداً من الموت. أي دخولها في الفناء وعودتها منه. وهكذا أصبحت الطبيعة البشرية من حيث المبدأ مختبرة للموت ومنتصرة عليه.

      من ناحية أخرى يمكن فهم الصلب والقيامة على أنهما إثبات على انتصار المحبة دائماً حتى لو ذهبت للموت، أي أن البرهان على أن تضحية الإنسان من أجل المحبة حتى لو أدت بالإنسان إلى الموت الكامل فإنها ستقيمه من هذا الموت نحو الأنوار الأبدية.

      هناك طبعاً من يشير أيضاً إلى جوانب أخرى. ولكنني شخصياً أركز على الجانبين أعلاه.

      من ناحية فهم الصلب فهناك اختلافات على مستويات مختلفة بين الطوائف، وهذا بسبب مقدار الرمزية التي يُفهَم من خلالها الحدث.

      • نعم بالتأكيد لن يحاسب الله الناس على مالا يعلمون به، فالله لا يظلم مثقال ذرة. أوافقك تماما.
        بالنسبة لمثال الحصبة لا أعتقد أنه يعكس ما نتحدث عنه، وإلا لاعتبرنا أنه من الظلم مثلا أن يُخلق شخص ما أعمى أو قبيح أو ما إلى ذلك. أنا لا أتحدث عن أمور دنيوية، أنا أتحدث عن العلاقة مع الخالق.
        نعم بالطبع لا يمكن القول أن الإنسان انتهى من طلب العلم أو أنه أدرك كل شيء وألمّ بعلوم الدين. أتفق تماما مع ذلك.
        أنت تقول أن الانتقال إلى العقل الواعي كان ضرورة لاتحاد أعلى شأنا مع الألوهة، أي أن الإنسان فعل شيئا لتحسين علاقته مع الله(إذا افترضنا إنه هو الذي قام بتطوير عقله والانتقال به من حال إلى حال) فاعتبر الله أن الإنسان سقط بذلك وحصل الشرخ بين الإله والإنسان وورثت البشرية الخطيئة!
        لماذا يسخط الله علي إذا كنت أسعى لبناء علاقة أفضل معه؟
        لماذا يكون هناك شرخ في العلاقة إذا حصل هذا الانتقال أصلا؟ بل ولماذا لم تحصل حادثة التجسد منذ ذلك الوقت إذاً؟
        “إنه إماتة الطبيعة البشرية الساقطة وإقامتها مجددا من الموت وهكذا أصبحت الطبيعة البشرية من حيث المبدأ مختبرة للموت ومنتصرة عليه”
        لماذا هي منتصرة عليه؟ هي تموت وتحيا بإذن الله لا بقواها الخارقة وهذا سيحدث يوم القيامة مجددا حيث سيحيي الله الأموات مجددا.
        “فهم الصلب والقيامة على انهما اثبات على انتصار المحبة… تضحية الإنسان من أجل المحبة ستقيمه من الأموات”
        لماذا تعتقد أن المسيح ضحى بنفسه؟ أذكر أني قرأت مثلا قوله (من وجهة النظر المسيحية) “إلهي إلهي لما تركتني” هذا لا يصدر عن إنسان يريد هو أن يضحي بنفسه ( وهنا طبعا أنا لا أقلل من قيمة المسيح عليه السلام ولا يمكن أن أفعل بل أتساءل فقط) وأيضا على ما أذكر “وأعتذر إن كنت مخطئة وأرجو أن تصحح لي مشكورا” هو غادر مكانه بسبب ملاحقة أعدائه له وذهب إلى مزرعة صلى بها وترك أشخاصا للحراسة، لماذا؟

      • أنا لا أقول أن الانتقال إلى العقل الوعي سبب سخط الله. بالمناسبة هذا تفسير اجتهادي جداً. ما أقوله هو أن هذا الشرخ، إذا كان شرخاً أصلاً، قد يكون مرحلة “طبيعية” في المسيرة نحو الاتحاد. معظم المسيحيين لا يوافقون على تفسيره بهذه الطريقة. بالعموم يبدو أن الإنسان حصل على شيء أو على معرفة الخير والشر بطريقة خاطئة لم يكن يريده الله أن يحصل عليها “بهذه الطريقة”.

        أما لماذا لم يحدث التجسد بعدها فوراً، فهذا سؤال جيد. ولكن ليس له إجابة غير ما قاله الإنجيل بأن المسيح جاء في ملء الزمان. الله وحده يعرف لماذا لم يكن ملء الزمان قبل أو بعد ذلك الوقت بالتحديد.

        المعنى من انتصار الطبيعة البشرية هو أنها “اختبرت” أو “اكتسبت” في جسد المسيح هذه القابلية للقيامة التي ستتحقق بالفعل في يوم القيامة. المسيحية لا تؤمن بطبيعة ستاتيكية ساكنة تنتظر أوامر إلهية جبرية ولكن بتحول مستمر في الطبيعة المخلوقة في حركتها نحو أصلها الإلهي.

        المسيح قال لتلاميذه تماماً قبل انتقالهم إلى البستان أنه يبذل نفسه فدية عن كثيرين لمغفرة الضحايا. فمبدئياً هو من صرح بموضوع التضحية. أما لماذا ابتعد عن أعدائه فأظن أن ذلك تصرف الإنسان الطبيعي مهما كان قوياً. الإنسان الطبيعي لا يسلم نفسه، ولكنه انتظر ما سيحصل، وهو كان يريد أن يصرف الوقت في الصلاة والتأمل، وهو ما فعله. واللافت أن المسيح رفض أن يدافع تلاميذه عنه أثناء القبض عليه وقال لبطرس “رد سيفك إلى مكانه. من أخذ الناس فبالسيف يُؤخذ”.
        المسيحية ليست كالغنوصية تجرد المسيح من إنسانيته ومن جسمانيته. الغنوصيون اعتبروا جسد المسيح مجرد خيال لا يمكن لمسه ولا قتله، لأنهم اعتبروه إلهاً محضاً لا يمكن أن يتنجس بالمادة. المسيحية ترفض هذا المبدأ الأفلاطوني وتصر على قابلية اللاهوت لملامسة الناسوت، لأن الناسوت خليقة إلهية مباركة في جوهرها.

        فالمسيح إنسان كامل أيضاً وهو يتصرف كإنسان، ولكن كإنسان بلا مفاعيل الخطيئة. وبحسب التعليم الرسمي للمسيحية فاتحاد اللاهوت بالناسوت حاصل بلا تشويش أو اختلاط أو امتزاج أو انقسام.

        لهذا أيضاً صرخ إلهي إلهي لما شبقتني (تركتني)، لأنه اختبر كل ثقل الخطيئة البشرية واختبر غدر المقربين منه وما إلى ذلك. المسيحية رأت تقليدياً في حدث الصلب الاتحاد الكامل للمسيح بالإنسانية بكامل ثقل خطاياها وابتعادها عن الله، اختبر كامل الشرخ الذي تحدثنا عنه أعلاه فصرخ بفم البشرية متسائلاً عن الترك، ثم قال بعد ذلك مباشرة “قد تم كل شيء”، لكي يميت هذه البشرية تماماً ثم يعيد إقامتها في جسده الذي قام من بين الأموات.

        بالطبع نحن نتحدث هنا عن مستوى فائق لوجودنا وغريب عن منطقنا المعتاد وبصراحة ليس من السهل تصوره وقبوله إلا باختبارات روحية فريدة، كأن يختبر شخص أحياناً الاتحاد مع شخص آخر على كامل المستويات ورغبته الكاملة في حمل آلامه لإراحته منها.

        على فكرة أسئلتك في محلها تماماً ودقيقة، وهي أسئلة الجميع من مسيحيين وغير مسيحيين.

    • هذا الكتاب الصغير يقدم بعض الشروحات التي أتفق معها على الأقل بالخطوط العريضة. الكتاب طبعاً يذكر اسم طائفة معينة. ولكن المحتوى جيد، وخاصة في الفصول موضع النقاش. والكاتب مفكر جيد على عدة مستويات كتب هذا الكتاب في شبابه، ويُعتَبَر حتى اليوم من الأكثر انفتاحاً وعمقاً:

      http://www.mediafire.com/file/2yiawc1v1o1j6vc/coptic-books.blogspot.com_elknisa_elorsozoksya_eiman_w3kida.pdf/file

      • عفواً🙂

        على سيرة الأسئلة وجوهر الدين. في كل منظومة إيمانية، دينية وغير دينية، يمكن للإنسان أن يسأل مئات الأسئلة التي تمس جوهر المنظومة، ومعظمها من دون إجابات حاسمة ونهائية، لأن الدليل الأقوى على العقائد هي النصوص أولاً قبل المنطق. فالاعتقاد بأهمية النص هو خيارنا ولكنه ليس ضرورة في حد ذاته.

      • بالمناسبة، حتى هذه اللحظة أنا أكتب ما تعتقده المسيحية الرسمية في معظم الأحيان. أبحاثي الشخصية متنوعة وفيها الكثير من المدخلات الأخرى التي لا أذكر معظمها هنا، لأنني أعتقد قد تكون غامضة بعض الشيء ولن تجيب بالفعل عن أسئلتك حول المسيحية بالعموم أو بشكلها النظامي المعروف.

  9. “يبدو أن الإنسان حصل على شيء أو على معرفة الخير والشر بطريقة خاطئة لم يكن يريده الله أن يحصل عليها بهذه الطريقة”
    ماهي هذه الطريقة الخاطئة التي حصلا بها على المعرفة؟

    “هو أنها “اختبرت” أو “اكتسبت” في جسد المسيح هذه القابلية للقيامة التي ستتحقق بالفعل يوم القيامة”
    لا يمكن القول أن الطبيعة البشرية “اختبرت” شيء ما إلا إذا عاشته بنفسها أو رأته رأي العين.
    يعني مثلا: ابراهيم عليه السلام طلب من الله أن يريه كيف يحيي الموتى فهو اختبر هذا الشيء، أما أنا فلا أستطيع قول ذلك. أنا أؤمن بهذا الشيء(أمر غيبي بالنسبة لي).
    الطبيعة البشرية “اكتسبت” القابلية للقيامة، هذا يعني أن كل من مات قبل الصلب والقيامة وفقا للمعتقد المسيحي لن يعود للحياة مرة أخرى.

    نعم الإنسان يتغير، لكن ليس بالضرورة للافضل وهذا ما نراه يوميا.

    “في حركتها نحو أصلها الإلهي”
    هل أصل آدم عليه السلام إلهي أيضا؟

    أرغب لو سمحت بمعرفة المكان الذي ورد فيه تصريح المسيح عليه السلام بالفداء لقراءة الآية في سياقها.

    “الإنسان الطبيعي لا يسلم نفسه” لكنك لا تعتقد أنه إنسان طبيعي، أنت تؤمن به كإله.
    ولنفرض أنه إنسان طبيعي كما أعتقد أنا، ألا يوجد من يفعل ذلك من البشر؟ يتقدمون لحبل المشنقة دون أدنى اعتراض!
    هل اعترض ابراهيم وولده عليهما السلام في الكتاب المقدس على موضوع الفداء؟( أسأل لأني لا أعرف الأجابة من الكتاب المقدس).

    نعم وفقا للكتاب المقدس هو رفض أن يدافع عنه تلاميذه بالسيف، لكنه كان قبل ذلك(حسب ما أذكر وأعتذر إن كنت مخطئة بتسلسل الأحداث) قد طلب ممن ليس لديه سيف أن يشتري سيفا، لماذا؟

    ” اتحاد اللاهوت بالناسوت حاصل بلا تشويش أو اختلاط أو امتزاج أو انقسام” ماذا يعني ذلك؟

    “المسيحية رأت تقليدياً في حدث الصلب الاتحاد الكامل للمسيح بالإنسانية بكامل ثقل خطاياها وابتعادها عن الله”
    لماذا على شخص أن يحمل آثام الجميع؟ هل الله خلقنا بشراً نُذنب لكي يقتل ابنه بعد ذلك ليتمكن من غفران ذنوبنا؟ لماذا لم يخلقنا كالملائكة لا نذنب إذاً لتجاوز كل هذا الأمر؟

    “لكي يميت هذه البشرية تماماً ثم يعيد إقامتها في جسده الذي قام من بين الأموات”
    لكن هل إذا مات وقام فهذا يعني أن البشرية ماتت وقامت أصلا؟ ولنفترض ذلك، ألا يستطيع الله غفران الذنوب دون هذه الحادثة برمتها؟ لماذا لا يعامَل كل فرد بما يعمل؟ أليس هذا أكثر عدلا؟

    عبارة “قد تم كل شيء” لا توحي بالضرورة إلى ما ذكرت. مثلا أتخيل أن شخصا ما يُقاد إلى الموت قد يصرخ قائلا: “انتهى كل شيء”.

    “وهي أسئلة الجميع من مسيحيين وغير مسيحيين”
    من حق أي شخص معتنق لديانة ما الحصول على الإجابات المتعلقة بديانته. السؤال ضروري جدا حتى لا يكون الإنسان وارثا للدين فقط. أنا شخصيا طرحت وما زلت أطرح الكثير من الأسئلة، لكن لأكون صريحة هي أسئلة لا تمس أساس الدين بشكل عام. يعني تساؤلاتي غالبا حول أمور ثانوية.

    • لا يصرح سفر التكوين بماهية الطريقة، إلا من خلال القول إن آدم من شجرة معرفة الخير والشر التي رأت حواء إنها شهوة للعين. وهذه القصة رمزية بحسب ما يفهمها بعضنا، وهي موجودة في الأساطير التي هي بدورها رمز لأمر مخزون في طبقة ما من طبقات ذاكرة البشرية. فالأساطير ليست خرافات بل قصص رمزية.

      أصل كل الخليقة إلهي لأن الله خلقها، ولكن الإنسان منذ آدم فيه نسمة الله. وبحسب التعليم المسيحي الصريح قيامة المسيح منحت البشرية كلها قبله وبعده القيامة.

      البشرية تختبر بمعنى أنها تمر بالحدث خارج الزمن، في صورتها الأصلية خارج الزمن، أما تمام الحدث فيحدث في الزمان. الإنسان يختبر اللغة قبل النطق بها، في الصمت يكتسبها. وهو يختبر المرض أيضاً قبل شعوره به وحتى تجليه في الجسد، لا بل يختبر الموت كعملية تدريجية تحصل في جسده حتى تمامها في ساعة الموت. هكذا يمكن تصور اختبار البشرية في صورتها للحياة والقيامة.

      كلام المسيح عن السيف رمزي بشكل واضح. لا أتذكر بحسب اطلاعي مفسراً واحداً مهما كان غريباً أو مختلفاً، إلا إذا كان ذا ميول ماركسية 😁 يمكن أن يقرأ ذكره للسيف بمعنى حرفي. والسبب بسيط، وهو أنه عندما يقول لهم “من ليس له عنده سيف فليبع ما له ويشتري سيفاً”، يجيبونه “ها هنا سيفان”، فيقول لهم “,يكفي!”. هل يمكن مواجهة كتيبة من الجند المسلحين بسيفين؟!
      المسيح كان يستعمل الرمز في حديثه، وهذه ليست أول مرة، فهو قد حذر تلاميذه مثلا من “خميرة” الفريسيين، وبنفس الطريقة لم يفهموا عليه وأجابوه عن الخبز، فوبخهم على ضيق أفقهم. بنفس الطريقة حين تحدث عن السيف أجابوه عن الخناجر التي يحملونها، وحين كلمهم عن الملكوت تسابقوا للحصول على مقاعد فيه!!
      الإنجيل مليء بأمثلة كهذه ويصرح بصراحة عن أن التلاميذ لم يفهموه في البداية. لم يفهموه فعلاً إلا بعد ظهوراته التالية للقيامة.

      ابراهيم لم يعترض على الذبيحة وابنه لم يعرف أصلاً بما كان يحصل، ولهذا في التقليد المسيح تقرأ هذه الحادثة كرمز للمسيح، حمل الله كما يقال عنه.

      كما ذكرت أنا لا أؤمن أن المسيح إله فقط. المسيحية لا تؤمن بهذا وخاضت حرباً شرسة ضد الغنوصية لأن الغنوصية كانت تؤمن بهذا. المسيحية تؤمن أن المسيح إنسان كامل وإله كامل في حالة اتحاد. وهي لا تشرح الكيفية بل تكتفي بالقول إن هذا حاصل بلا مزج بين الطبيعتين أو تشويش من إحداهما على الأخرى. طبعاً هناك محاولات فلسفية للشرح، نقرأها في فلسفات لاحقة، ولكن أنا أجيب فقط عن المسيحية الرسمية. اللاهوتيون الأوائل كانوا يتبعون لاهوت النفي، أي ينفون ما ليس هو ولا يقولون ما هو، فكانوا أحياناً مثل الإمام مالك إذا لم أخطئ حين سئل عن كيفية الاستواء على العرش 😁 فقال بما معناه إن الاستواء فمعلوم وأما الكيف فمجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.
      في المسيحية السؤال نفسه ليس بدعة طبعاً، ولكن هناك رفضاً لمحاولات تحديد الكيفية خوفاً من التعدي. وكانوا يكتفون ببعض النصوص الإنجيلية كقول بولس عن المسيح “وأما هو فأخلى نفسه آخذاً صورة عبد…ويحل فيه ملء اللاهوت”. وفي هذا إشارة إلى أن الله أخلى بعض ماله حين اتحد بالطبيعة البشرية.

      أما لماذا على شخص أن يحمل آثام الجميع، فالذين يعتقدون بهذه النظرة، يعتقدون إن رحمة الله تتوازن مع عدالته، فالعدالة تطلب ثمناً للخطايا والرحمة لا تطلب. كتوازن بين الاثنين قرر الله نفسه أن يدفع الثمن.

      أنا شخصياً لست من أنصار هذه النظرة. وأميل إلى من يقول إن المسيح كان سيتجسد في كل الأحوال من أجل أن يعلم الإنسان طريق التأله. ولكن ما حصل للإنسان من سقوط جعل الطريق أطول.

      ولكن هذه الناحية موضع تأمل بالنسبة إلي، لأن النصوص تتحدث عن الناحيتين.

      ولكن في الحالتين لسنا نحن من نحدد لله ما هو الأكثر عدلاً. بالنسبة إلي مثلاً، الجحيم الأبدي فكرة غير مقبولة وليست عادلة نهائياً.

      المواضع التي تحدث فيها المسيح عن الفداء متعددة. هي ليست أمامي الآن. ولكني سأدلك عليها في إجابة تالية. أنا لا أجيبك بمساعدة مصادر أو مراجع أمامي، بل بحسب الذاكرة والفهم اللذين من دون شك يشوبهما الكثير من النقص.

      عبارة “تم كل شيء” هي ترجمتي 😁 الحقيقة أنها “قد أُكمل” وهي الترجمة الأدق. ولم أعد أتذكر الكلمة التي يستعملها الإنجيل بصراحة. ولكنني أعرف الكلمة اليونانية الأصلية.

    • بالنسبة لمواضع ذكر الفداء وحمل الخطايا فهذه بعضها:

      “كَمَا أَنَّ ابْنَ الإِنْسَانِ لَمْ يَأْتِ لِيُخْدَمَ بَلْ لِيَخْدِمَ، وَلِيَبْذِلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً عَنْ كَثِيرِينَ».”

      ثم:

      26 وَفِيمَا هُمْ يَأْكُلُونَ أَخَذَ يَسُوعُ الْخُبْزَ، وَبَارَكَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَى التَّلاَمِيذَ وَقَالَ: «خُذُوا كُلُوا. هذَا هُوَ جَسَدِي».
      27 وَأَخَذَ الْكَأْسَ وَشَكَرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «اشْرَبُوا مِنْهَا كُلُّكُمْ،
      28 لأَنَّ هذَا هُوَ دَمِي الَّذِي لِلْعَهْدِ الْجَدِيدِ الَّذِي يُسْفَكُ مِنْ أَجْلِ كَثِيرِينَ لِمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا.
      29 وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي مِنَ الآنَ لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ هذَا إِلَى ذلِكَ الْيَوْمِ حِينَمَا أَشْرَبُهُ مَعَكُمْ جَدِيدًا فِي مَلَكُوتِ أَبِي».
      30 ثُمَّ سَبَّحُوا وَخَرَجُوا إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ.
      31 حِينَئِذٍ قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: «كُلُّكُمْ تَشُكُّونَ فِىَّ فِي هذِهِ اللَّيْلَةِ، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنِّي أَضْرِبُ الرَّاعِيَ فَتَتَبَدَّدُ خِرَافُ الرَّعِيَّةِ.
      32 وَلكِنْ بَعْدَ قِيَامِي أَسْبِقُكُمْ إِلَى الْجَلِيلِ».

      وأيضاً (وهنا يرد ذكر السيف):

      “وَلَمَّا كَانَتِ السَّاعَةُ اتَّكَأَ وَالاثْنَا عَشَرَ رَسُولًا مَعَهُ،
      15 وَقَالَ لَهُمْ: «شَهْوَةً اشْتَهَيْتُ أَنْ آكُلَ هذَا الْفِصْحَ مَعَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَأَلَّمَ،
      16 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ آكُلُ مِنْهُ بَعْدُ حَتَّى يُكْمَلَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ».
      17 ثُمَّ تَنَاوَلَ كَأْسًا وَشَكَرَ وَقَالَ: «خُذُوا هذِهِ وَاقْتَسِمُوهَا بَيْنَكُمْ،
      18 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنِّي لاَ أَشْرَبُ مِنْ نِتَاجِ الْكَرْمَةِ حَتَّى يَأْتِيَ مَلَكُوتُ اللهِ».
      19 وَأَخَذَ خُبْزًا وَشَكَرَ وَكَسَّرَ وَأَعْطَاهُمْ قَائِلًا: «هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ. اِصْنَعُوا هذَا لِذِكْرِي».
      20 وَكَذلِكَ الْكَأْسَ أَيْضًا بَعْدَ الْعَشَاءِ قَائِلًا: «هذِهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ.
      21 وَلكِنْ هُوَذَا يَدُ الَّذِي يُسَلِّمُنِي هِيَ مَعِي عَلَى الْمَائِدَةِ.
      22 وَابْنُ الإِنْسَانِ مَاضٍ كَمَا هُوَ مَحْتُومٌ، وَلكِنْ وَيْلٌ لِذلِكَ الإِنْسَانِ الَّذِي يُسَلِّمُهُ!».
      23 فَابْتَدَأُوا يَتَسَاءَلُونَ فِيمَا بَيْنَهُمْ: «مَنْ تَرَى مِنْهُمْ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْعَلَ هذَا؟»
      24 وَكَانَتْ بَيْنَهُمْ أَيْضًا مُشَاجَرَةٌ مَنْ مِنْهُمْ يُظَنُّ أَنَّهُ يَكُونُ أَكْبَرَ.
      25 فَقَالَ لَهُمْ: «مُلُوكُ الأُمَمِ يَسُودُونَهُمْ، وَالْمُتَسَلِّطُونَ عَلَيْهِمْ يُدْعَوْنَ مُحْسِنِينَ.
      26 وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَيْسَ هكَذَا، بَلِ الْكَبِيرُ فِيكُمْ لِيَكُنْ كَالأَصْغَرِ، وَالْمُتَقَدِّمُ كَالْخَادِمِ.
      27 لأَنْ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ: أَلَّذِي يَتَّكِئُ أَمِ الَّذِي يَخْدُمُ؟ أَلَيْسَ الَّذِي يَتَّكِئُ؟ وَلكِنِّي أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ.
      28 أَنْتُمُ الَّذِينَ ثَبَتُوا مَعِي فِي تَجَارِبِي،
      29 وَأَنَا أَجْعَلُ لَكُمْ كَمَا جَعَلَ لِي أَبِي مَلَكُوتًا،
      30 لِتَأْكُلُوا وَتَشْرَبُوا عَلَى مَائِدَتِي فِي مَلَكُوتِي، وَتَجْلِسُوا عَلَى كَرَاسِيَّ تَدِينُونَ أَسْبَاطَ إِسْرَائِيلَ الاثْنَيْ عَشَرَ».
      31 وَقَالَ الرَّبُّ: «سِمْعَانُ، سِمْعَانُ، هُوَذَا الشَّيْطَانُ طَلَبَكُمْ لِكَيْ يُغَرْبِلَكُمْ كَالْحِنْطَةِ!
      32 وَلكِنِّي طَلَبْتُ مِنْ أَجْلِكَ لِكَيْ لاَ يَفْنَى إِيمَانُكَ. وَأَنْتَ مَتَى رَجَعْتَ ثَبِّتْ إِخْوَتَكَ».
      33 فَقَالَ لَهُ: «يَا رَبُّ، إِنِّي مُسْتَعِدٌّ أَنْ أَمْضِيَ مَعَكَ حَتَّى إِلَى السِّجْنِ وَإِلَى الْمَوْتِ!»
      34 فَقَالَ: «أَقُولُ لَكَ يَا بُطْرُسُ: لاَ يَصِيحُ الدِّيكُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ تُنْكِرَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ أَنَّكَ تَعْرِفُنِي».
      35 ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «حِينَ أَرْسَلْتُكُمْ بِلاَ كِيسٍ وَلاَ مِزْوَدٍ وَلاَ أَحْذِيَةٍ، هَلْ أَعْوَزَكُمْ شَيْءٌ؟» فَقَالُوا: «لاَ».
      36 فَقَالَ لَهُمْ: «لكِنِ الآنَ، مَنْ لَهُ كِيسٌ فَلْيَأْخُذْهُ وَمِزْوَدٌ كَذلِكَ. وَمَنْ لَيْسَ لَهُ فَلْيَبِعْ ثَوْبَهُ وَيَشْتَرِ سَيْفًا.
      37 لأَنِّي أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ فِيَّ أَيْضًا هذَا الْمَكْتُوبُ: وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ. لأَنَّ مَا هُوَ مِنْ جِهَتِي لَهُ انْقِضَاءٌ».
      38 فَقَالُوا: «يَا رَبُّ، هُوَذَا هُنَا سَيْفَانِ». فَقَالَ لَهُمْ: «يَكْفِي!»
      39 وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ، وَتَبِعَهُ أَيْضًا تَلاَمِيذُهُ.”

      نلاحظ أن المسيح يباين بين شراء السيف وحالة سابقة وردت في الإنجيل حين أرسلهم إلى القرى وامرهم بألا يتزودوا بشيء. هنا يقول إن الحالة مختلفة، ويبدو أن يشير إلى حالة الضيق الشديد القادمة وأهمية الاستعداد (السيف)، وكأن السيف كاداة تعاكس في دلالتها الكيس والمزود والأحذية؛ فالإنسان يحمل الكيس والكزود ليستعد للجوع، ويحمل السيف ليستعد للكفاح. الوقت القادم كان وقت كفاح، والاستعداد ينبغي أن يكون على أشده، لأن حالة اضطهاد شديد ستحصل. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى وفي المدى الأطول قليلاً كانت منطقة اليهودية بكاملها تتحضر لأكبر خراب في تاريخها، وقد امر المسيح تلاميذه بالهرب، لأن العالم اليهودي سيتداعى ويخرب.

      من ناحية “مغفرة الخطايا” فمن غير الممكن الابتداء بفهم هذا التعبير من دون فهم الممارسة اليهودية في الفصح. يجب العودة إلى مواضع معينة في العهد القديم لفهم ما الذي يشير إليه المسيح هنا. المسيح كان يستعير كثيراً من الصور في حديثه من الكتب اليهودية المعروفة. لا يمكننا أبداً عزل تعابيره عن ذلك السياق وتلك الرمزيات.

  10. بالنسبة للإمام مالك هو بشر يصيب ويخطئ كما يصيب ويخطئ رجال الكنيسة وغيرهم من رجال الدين :) وعادة أحب عندما أناقش أمور الدين أن ألجأ إلى الأصل(الكتب السماوية وماقاله الأنبياء).
    ولكن بما أنك تطرقت للموضوع أحب أن أشير إلى وجهة نظري التي تحتمل أيضا الخطأ والصواب. أجد شخصيا أن السؤال عن هكذا أمور هو بطر فكري لأن هذا لا يؤثر على العقيدة حاله كحال بعض الآيات التي تهدف ربما إلى بث الرهبة في النفس أو دفعها لتخيل عظمة الله أو يوم القيامة وما إلى ذلك. طبعا من حق كل إنسان أن يسأل وكلنا نفعل صغارا وكبارا.

    سأعود للرد على بقية النقاط بعد قليل لأني أحب بداية أن أطلع على قصة الشجرة المحرمة كما وردت في الكتاب المقدس حيث أجد أن الكثير من الأمور مرتبطة بها.

    • :D

      على كل حال، من المرجَّح أن القول منسوب للإمام مالك وهو لم يقل هذا الكلام حرفياً. ولكن المقول تُستَعمّل كمثال على الميل على الرغبة في تنزيه الذات الإلهية عن الوصف والكيفية، كمثال نكتة الجدل حول جنس الملائكة أو عدد الملائكة الذين يقفون علر رأس دبوس :)))). كل هذه نكات تسخر من النقاشات الميتافيزيقية الدقيقة التي كان علماء الكلام يصلون إليها في كثير من الأحيان.

  11. قرأت سفر التكوين1و 2 و 3.
    أولا: إذا كان آدم لا يعرف الخير والشر، لماذا يحاسبه الله على مافعله؟ هل هذا عادل؟
    ثانيا: الله قال لهما إذا أكلتما من هذه الشجرة فموتا تموتا، لكنه بعد أن أكلا منها قام بأمور أخرى كثيرة، فلماذا يهدد الله بشيء ثم يفعل أشياء أخرى كثيرة(عندما تعاقب شخصا بعقوبة لم تنذره بها فهذا ليس عدلا).
    ثالثا: الحية قالت لهما لاتموتان بل تعرفان الخير والشر. هذا يعني أن الحية كانت على حق لأن هذا تماما ما حدث؛ هما عرفا الخير والشر وهبطا إلى الأرض التي يذكر سفر التكوين الأول أنهما خلقا لها منذ البداية، فهل هذا يعني أن الحية التي تمثل الشيطان تعلم ما سيفعله الله؟

    • جيد. أسئلة جيدة.

      أولاً أنا لا أؤمن بأن القصة تاريخية :) يعني أؤمن برمزيتها.

      ولكن إذا أخذناها بشكل حرفي بغرض النقاش، فيمكننا أن نلاحظ ما يلي:

      – الله أمره بعدم الأكل من الشجرة. وهو اكل. العقوبة ليست بسبب معرفته لما هو الخير وما هو الشر، بل لأنه عصى أمره وأكل من الشجرة من حيث المبدأ.

      – الموت هنا إشارة إلى الموت الروحي والانفصال عن مشاهدة الله والعيش معه في جنة عدن. طبعاً لا يوجد هبوط حسبما أتذكر. سفر التكوين لا يقول إن الجنة في السماء بل على الأرض ولها إحداثيات جغرافية إذا كنتِ قد لاحظتِ.

      – نعم الحية كانت تعرف ماذا سيحصل. مع أنها كذبت في تفاصيل مهمة. انتبهي أنها قالت “أحقاً قال الله…إلخ” وهي تقتبس كلام الله بشكل محرّف. كما أنها كانت محقة من حيث اكتسابهما مثنوية الوعي، ولكنهما لن يصيرا بالفعل مثل الله كما قالت. كان هذا إغراءً.
      الموت كان موتاً روحياً ودلالته أن آدم هرب واختبأ من صوت الله حين سمعه وعلم انه عريان.

  12. بالنسبة لرد المسيح عليه السلام. هو قال يكفي، فما أدراك أنه كان يتحدث عن السيوف. ربما كان يتحدث إليهم أن كفى أسئلة مثلا!
    بالنسبة للرمزية لا أجد أنها تصلح في موضوع الدين. الدين يجب أن يكون واضحا فمن غير المعقول أن أحدث شخصا برمزية ثم أعاقبه لأنه لم يفهم علي. يعني مثلا إذا شرحت أنت درسا ما برمزية وأجاب الطلاب في الامتحان بطريقة خاطئة فالخطأ هنا هو خطؤك أنت ولا يحق لك محاسبتهم على أخطائهم.
    الرمزية في الرواية، في الشعر، في غير ذلك، لكن بالتأكيد ليست بالدين.

    سؤال أخير: لماذا تعتقد أن الله أرسل المسيح عليه السلام؟

    • “بالنسبة لرد المسيح عليه السلام. هو قال يكفي، فما أدراك أنه كان يتحدث عن السيوف. ربما كان يتحدث إليهم أن كفى أسئلة مثلا!”

      ممتاز! هذا ما أقصده. ولنكون أكثر دقة كان ربما يقول لهم “كفى ضيقاً في الأفق. أخبركم عن الإعداد للضيقات فتجيبونني عن السبوف التي تحملونها!”
      لهذا قلتِ لك في الرد السابق أنه من غير الممكن أن يكون المسيح يقصد “هذا عدد كافٍ من السيوف”. هذا غير منطقي.

      مسألة الرمزية مسألة كبيرة ومنفصلة. نعود لمسألة الحساب. ليست المسألة مسألة حساب ودينونة. الرمزية أعمق من هذا. لم أكتب عنها سابقاً ولكنني أحب ذلك.

      الدين ليس شيئاً آخر غير الرواية والشعر من حيث النص. النص الديني هو لغة. والنص إما ان يكون تاريخاً أو قصةً أو شعراً (مزامير داود مثلاً شعر كلها). أو غير ذلك من الأجناس الأدبية. فالرمزية هي سمة من سمات اللغة وليس سمة من سمات الدين.

      الدين نفسه هو المنظومة العقائدية والأخلاقية والقيمية والاجتماعية التي نبنيها من هذه النصوص وما يصدر عنها من تفسيرات وتأويلات. فالدين ظاهرة روحية-ثقافية. لهذا تجدينني انقد الدين في كل حين.
      أنا أعلم أنه يشيع الكلام عن “دين الله” أو “الدين عند الله” و”ديانة سماوية” و…إلخ سواء أفي الإسلام أو في المسيحية. لدي تحفظ على تعابير كهذه حين يكون الأمر ضمن نقاش دقيق. لا بأس عند استخدام اللغة الشعبية العادية.

      بالمختصر، الأمر لا يعود إلينا في تحديدنا أين تصلح الرمزية. هذه سمة لغوية. طبعاً هذا سيؤدي إلى مشاكل إذا كنا نعتقد بوحي تنزيلي أو بوحي لفظي، لأننا حينها سنتهم الله باستعمال لغة غامضة.

      ولكن للوحي عدة معان، الوحي التنزيلي أحدها. كوني لا أميل عادة للاعتقاد بالوحي التنزيلي فلا مشكلة عندي بالرمزية. فهي أمر ناشئ من اللغة.

      بالإضافة إلى ذلك، الرمزية الصعبة لدينا اليوم ربما لم تكن كذلك للسامعين الأوائل للنص، فالعقلية تغيرت بشكل كبير عبر القرون. لغتنا اليوم أقل شعرية وأكثر تقريرية.

      ومن جهة مختلفة كلياً، أحياناً لا يكون الهدف من الرمز تفسيره بشكل لغوي. الهدف منه هو توليد فاعليات نفسية تؤدي هدفها من دون إدراك الشخص نفسه. هذه مسألة غاية في الدقة وقد لا يكون المجال لنقاشخا متوفر الآن. كما في الحاسوب، ما يظهر على الشاشة هو فقط لمساعدتنا نحن على التفهم والفهم، واما ما هو موجود في “اللوحة الأم” فأمر مختلف تماماً. المهم تأدية المطلوب.

      • “أنا أعلم أنه يشيع الكلام عن “دين الله” أو “الدين عند الله” و”ديانة سماوية” و…إلخ سواء أفي الإسلام أو في المسيحية. لدي تحفظ على تعابير كهذه حين يكون الأمر ضمن نقاش دقيق”.
        هل تؤمن أن الله كلّم موسى؟ ومن أين تعتقد جاء موسى عليه السلام بالوصايا التي يتوجب على اليهود (والمسيحيين من وجهة نظري) اتباعها.
        ومن أصلا أرسل موسى؟ أليس الله؟ أليس معنى هذا أن هذا الدين هو دين الله؟
        “طبعاً هذا سيؤدي إلى مشاكل إذا كنا نعتقد بوحي تنزيلي أو بوحي لفظي”
        هل كان المسيح عليه السلام يخبر أتباعه بما عليهم فعله ويبدل في الناسوت من تلقاء نفسه دون الرجوع لله (على اعتبار أنه في حالة الناسوت إنسان كامل كما تعتقد أنت )
        وإذا كنت تُلمح للقرآن في الاقتباس السابق فهل تعتقد أن كاتبه هو محمد عليه السلام؟

    • عفواً، سألتني لماذا اعتقد أن الله أرسل المسيح إلى الأرض.

      بشكل مختصر وكجواب جزئي لأننا دائماً نستطيع أن نرى بعيون جديدة هذا الموضوع. أرسله ليعيد للبشرية صورتها الإلهية المفقودة. لماذا لم يفعل ذلك من دون كل هذه الدراما ويغفر للإنسان فوراً؟ أنا لا أعتقد- بعكس كثير من المسيحيين الآخرين- أن المسألة غضب وسخط وعدم غفران. المسألة أن الإنسان كائن خٌلِق حرّاً من جهة، وهو فقد لغة التواصل مع الله من جهة أخرى- التي هي صورته.
      باستثناء بعض الأنبياء والمختارين في كل زمان ومكان لم يكن الإنسان قادراً على اكتشاف صورته الإلهية ولم يكن قادراً على اكتشاف شخصيته الفردية. الله يريد. ولكن الإنسان “فقد جهاز الاستقبال” كما يعبّر عنها البعض. إذا أجبره الله لم يعد الإنسان إنساناً بل صار آلة. كان على الإنسان أن يعيد اكتساب هذه السمة أو يعيد تلميع الصورة. هذا ما يُعب!َر عنه بمصطلح الخلاص وهذا جزء مما يُعبَّر عنه بالفداء.

      المسيح فعل ذلك للإنسان. هذا هو الخلاص. أما كيف؟ فهذا هو الفداء فهذا مجال بحث طويل (لمن لا يريد أن يحفظ جملتين ويفرح بهما فقط). ما ذكرته حتى الآن ليس سوى التلميحات الرئيسية. هذا لوحده مجال دراسة وكتابة لسنوات.

      • “باستثناء بعض الأنبياء والمختارين في كل زمان ومكان لم يكن الإنسان قادراً على اكتشاف صورته الإلهية ولم يكن قادراً على اكتشاف شخصيته الفردية”

        كلام غير منطقي يحتاج إلى دليل. ما هو دليلك؟

        هل تعتقد أن الفداء الذي هو أساس من أساسات الديانة المسيحية يحتاج إلى سنوات لشرحه فعلا؟ ألا يبدو الأمر غريبا بهض الشيء؟!

      • الدليل رأيناه في حاجة الإنسان في كل مكان لنظام ذبائحي يظن أنه لا يستطيع الاقتراب إلى الله إلا به، غير عالم أن الله في داخله. كان يعتقد أن الله لا يرضى عنه من دون أضحيات وذبائح بما في ذلك أولاده.
        هذا ما نعرفه عن تاريخ فكرة الله. وما نعرفه من العبادات.

        أنا قلت فكرة الفداء تحتاج إلى كل هذا الوقت لمن يريد التعمق فيها واكتشاف مضامينها.
        أما باختصار فهي كما ذكرت سابقاً أن المسيح مات مرة ليمنح الطبيعة البشرية القيامة، حيث مات معها وقام ليقيمها معه.
        مضامين هذا الكلام نكتشفه في رحلتنا الروحية عبر تطور الشخصية وعبر امتلاك الإنسان لثمار المحبة والإيمان والتواضع.

  13. “الله أمره بعدم الأكل من الشجرة. وهو اكل. العقوبة ليست بسبب معرفته لما هو الخير وما هو الشر، بل لأنه عصى أمره وأكل من الشجرة من حيث المبدأ.”
    نعم أعرف. لكن كيف سيعرف شخص لا يميز بين الخير والشر أن عدم إطاعة أوامر الله هو شر. هذا كا قصدته.

    أذكر أني قرأت كلمة هبوط في السفر الثاني سأعود للقراءة مرة أخرى للرد على باقي النقاط.

    • لم يكن المطلوب منه أن يعرف أن هذا هو شر. كان المطلوب منه أن يطيع الأمر فحسب، لأن الله قال له ذلك. هذا إذا أخذنا القصة كتاريخ طبعاً :)

      • هل تعتقد أن الشخص الذي لا يميز بين الخير والشر يستطيع التمييز بين الصواب والخطأ؟

        نعم هو عصا أوامر الله لأن الله خلقه لا يعرف أن العصيان خطأ. هو لا يعرف ماذا يفعل.

      • كان عليه أن يثق بكلمة الله. لا يأكل لأنه قال لا تأكل. من دون أن يعرف إذا كان هذا الأمر صواب أم خطأ. حين أكون طفلاً وحين يصدف أن أطيع أبي :) أفعل ذلك لأني أحبه وليس لأن هذا الأمر صواب. أنا غير واع للصواب والخطأ كمفهومين عقليين أو أخلاقيين. الصواب والخطأ عند الطفل هما الجميل وغير الجميل أو ما يقوله البابا والماما أو المؤذي وغير المؤذي. آدم هو طفولة الإنسان العقلية.

        على كل حال. هل المشكلة في هذه النقطة؟ تناقشينها وتتركين الحية التي تتكلم؟؟؟ :)

  14. مثال الطفل عظيم على فكرة، لنأخذه بصورة معاكسة:)
    هل إذا عصى الطفل والديه يكون مستحقا للعقوبة :)
    بالتأكيد لاااااااااااا. لأنه لا يميز الخطأ من الصواب والخير من الشر. والله أرحم من العبد بوالديه.

    ما زلت أنتظر الإجابة على السؤال الأخير عن سبب إرسال ابمسيح عليه السلام.

    • الأهل الجيدون يعاقبون أطفالهم، ليس بالضرب. وإذا كان الطفل يبلغ من العمر سنتين أو ثلاث سنوات وكان يعصي اوامر والديه ولن يُعاقَب “بيطلع ولد مفكر العالم ملك أبوه” :))))

      على كل حال كما أشرت في الرد التالي الذي تطالبين به الآن أنّني لا أعتقد أن في الأمر سخطاً وعقوبة من حيث المبدأ. هو أمر فقده الإنسان ولن يكتسبه إلا بحريته.

      • طبعا يبدؤون بالعقوبة اذا كان الطفل عمره سنتان لأنه يكون بدأ بتمييز الخطأ من الصواب، وهذا هو القصد.

        ولا لست أوافقك، هذه أمور أساسية في الدين. الدين كله قائم عليها ويفترض أن تكون واضحة

      • نعم كما قلت سابقاً، هو يميز الصواب من الخطأ ولكن ليس كمفهومين أخلاقيين، بل فقط لأن البابا والماما قالا أو لم يقولا. مسألة طاعة. أما الحديث عن الخير والشر والصواب والخطأ فهذه مسألة أخرى تتعلق بالضمير من ناحية وبالعقل من ناحية أخرى.

        على كل حال هذا نقاش منفصل وفيه دراسات اليوم متعلقة بعلم نفس الطفل. مرت عليّ ونسيتها كلا الحمد لله :)

        لم أفهم ما الذي تشيرين إليه بالأمور الأساسية في الدين. أضعت الجزء المتعلق بهذه الجملة في تعليقاتي السابقة. إذا كنت تقصدين الرمزية، فهي كما أشرت سابقاً مسألة لغوية وليست دينية.

  15. نعم لا توجد كلمة هبوط بل طرد. إذا هو طردهما من جنة عدن وعاقلهما بعقوبات أخرى كثيرة.

  16. “كان يعتقد أن الله لا يرضى عنه من دون أضحيات وذبائح بما في ذلك أولاده”

    هل كان يظن ذلك من تلقاء نفسه؟ أتحدث عن الديانة اليهودية لأني لا أعرف إذا ما كان تقديم الأضاحي هو أمر وارد في كتابهم أو وصايا موسى عليه السلام، أم هو أمر ابتدعوه بأنفسهم ظنا منهم أن الله لا يرضى إلا به.

    ثم الموضوع نفسه يتكرر في المسيحية على فكرة لكن بصورة عكسية. البشر يجب ان يضحوا بابن الله لتُغفر لهم خطيئتهم التي ورثوها ولم يرتكبوها.

    • أبداً. في المسيحية الرسمية لا يعتقد أن البشر يقدمون أضحية. الاعتقاد أن المسيح يقدم نفسه كتضحية ليهزم الموت بالموت.
      وفي أقصى الأحوال، تعلم المسيحية الرسمية أن تلك كانت الذبيحة النهائية والأخيرة التي تختتم ذلك العهد إلى الأبد.

      أقول في المسيحية الرسمية لأن كثيرا من التيارات تفسر الأمر بصورة رمزية مطلقة.
      يعني كلمة “ذبيحة” عندهم عبارة شبه شعرية مستعارة من اليهودية، من البيئة التي عاشها المسيح.

      ما يهمنا هو أن هذا العصر أغلقته المسيحية نهائياً.

      التوراة بالطبع تعلم بوجود ذبائح، ولكن هي نفسها تقدمت درجة بإلغائها الأضاحي البشرية. تطلق المسيحية على هذه النظرة “الكشف التدريجي”. لا بل إن أنبياء التوراة اللاحقين لموسى نراهم يخففون من التركيز عن الذبائح ويركزون أكثر على الرحمة، فنرى صوت الله يقول “أريد رحمة لا ذبيحة”. ومع ذلك لم تلغ الذبائح كلياً.

      ليست كل فروع المسيحية تؤمن بوراثة خطيئة آدم. أنا لا أؤمن بها مثلاً.

      ما حصل هو أننا نشأنا في عالم منفصل عن الله، فورثنا هذه الحالة وليس عمل آدم نفسه. لا ذنب لنا في ما فعله آدم إذااااا افترضنا أن القصة تاريخية. مجدداً أذكر بهذا الأمر.

      لم يضح أحد بالمسيح لكي تغفر لع خطية لم يرتكبها.

  17. ما زلت لا أفهم كيف تتم هزيمة الموت بالموت لكني سأتوقف عن النقاش في هذه النقطة.

    “تلك كانت الذبيحة النهائية والأخيرة التي تختتم ذلك العهد إلى الأبد” شخصيا أفضل لو استمر البشر بتقديم الأضاحي على أن يتم التضحية بإنسان لإلغائها 🙂

    ” لاذنب لنا في ما فعله آدم إذااااا” الكتاب المقدس لا يقول ذلك. حسب ما أذكر لُعنت الأرض بأكملها بسبب هذا الخطأ. هذا ما قرأته في سفر التكوبن اليوم.

    • هل هذا يعني أنك تفضلين بقاء الأرض محتلة إذا كان الثمن تضحية شخص بنفسه لاستعادتها؟؟🤔🙂

      نعم، هذا يعتمد إذا كنا نقرأ القصة كتاريخ زمني أو كقصة رمزية. لعنة الأرض ليست إلا رمزا للنتيجة الطبيعية للشرخ في وعي البشر. الطبيعة تعامل الإنسان كما يعاملها.

      لا أعرف إذا كان تيموثي وير يتعمق بالكتاب الذي أرسلته لك في معنى السقوط، قرأت الكتاب منذ زمن بعيد. ربما يكون فيه ما يلقي الضوء على النظرة الرمزية لهذا النص وهي بالمناسبة مم أوائل القراءات المسيحية لهذا النص وليس وليد الأزمنة الحديثة.

      عموماً هذه القضية هي أحد محاور العراك مع الأصوليين المسيحيين في الزمن القديم حين كانت لدي طاقة لخوضها 😁😁

  18. “هل هذا يعني أنك تفضلين بقاء الأرض محتلة إذا كان الثمن تضحية شخص بنفسه لاستعادتها؟؟”

    إذا الله أرسل المسيح ليحرر الأرض؟!

    • ليحرر الإنسان والخليقة من التشرد بعيداً عن الصورة الإلهية.
      فعبارتك صحيحة بمعنى ما.

      هناك الكثير من الكتابات القديمة عن هذا الموضوع. إذا كنت من محبي القراءة بالإنكليزية يمكنك أن تبحثي عن مصطلح
      Recapitulation in Christian theology.

  19. “على سيرة الأسئلة وجوهر الدين. في كل منظومة إيمانية، دينية وغير دينية، يمكن للإنسان أن يسأل مئات الأسئلة التي تمس جوهر المنظومة، ومعظمها من دون إجابات حاسمة ونهائية، لأن الدليل الأقوى على العقائد هي النصوص أولاً قبل المنطق. فالاعتقاد بأهمية النص هو خيارنا ولكنه ليس ضرورة في حد ذاته”
    الآن فقط لاحظت هذا التعليق. هل يمكنك ذكر أمثلة معينة؟

  20. لا لبس سهلاً علب قراءة هكذا مواضيع باللغة الانكليزية لكني اشكرك جدا على الإقتراح ووقتك والشروحات.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s

هذا الموقع يستخدم خدمة أكيسميت للتقليل من البريد المزعجة. اعرف المزيد عن كيفية التعامل مع بيانات التعليقات الخاصة بك processed.